أَي عَلَى ثَوْرٍ وحشيٍّ أَحس بِمَا رَابَهُ فَهُوَ يَسْتَأْنِسُ أَي يَتَبَصَّرُ وَيَتَلَفَّتُ هَلْ يَرَى أَحداً، أَراد أَنه مَذْعُور فَهُوَ أَجَدُّ لعَدْوِه وَفِرَارِهِ وَسُرْعَتِهِ.
وَكَانَ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَه عَنْهُمَا، يقرأُ هَذِهِ الْآيَةَ: حَتَّى تستأْذنوا، قَالَ: تستأْنسوا خَطَأٌ مِنَ الْكَاتِبِ.
قَالَ الأَزهري:
قَرَأَ أُبيّ وَابْنُ مَسْعُودٍ: تستأْذنوا
، كَمَا قرأَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَالْمَعْنَى فِيهِمَا واحد. وقال قَتَادَةُ وَمُجَاهِدٌ: تستأْنسوا هُوَ الِاسْتِئْذَانُ، وَقِيلَ: تستأْنسوا تَنَحْنَحُوا. قَالَ الأَزهري: وأَصل الإِنْسِ والأَنَسِ والإِنسانِ مِنَ الإِيناسِ، وَهُوَ الإِبْصار. وَيُقَالُ: آنَسْتُه وأَنَّسْتُه أَي أَبصرته؛ وَقَالَ الأَعشى:
لَا يَسْمَعُ المَرْءُ فِيهَا مَا يؤَنِّسُه، ... بالليلِ، إِلَّا نَئِيمَ البُومِ والضُّوَعا
وَقِيلَ مَعْنَى قَوْلِهِ: مَا يُؤَنِّسُه أَي مَا يَجْعَلُهُ ذَا أُنْسٍ، وَقِيلَ للإِنْسِ إِنْسٌ لأَنهم يُؤنَسُونَ أَي يُبْصَرون، كَمَا قِيلَ للجنِّ جِنٌّ لأَنهم لَا يُؤْنَسُونَ أَي لَا يُبصَرون. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَرَفَةَ الْوَاسِطِيُّ: سُمِّيَ الإِنْسِيُّون إِنْسِيِّين لأَنهم يُؤنَسُون أَي يُرَوْنَ، وَسُمِّيَ الجِنُّ جِنّاً لأَنهم مُجْتَنُّون عَنْ رُؤْيَةِ النَّاسِ أَي مُتَوارُون. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ مَسْعُودٍ: كَانَ إِذا دَخَلَ دَارَهُ اسْتَأْنس وتَكَلَّمَ
أَي اسْتَعْلَم وتَبَصَّرَ قَبْلَ الدُّخُولِ؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ:
أَلم تَرَ الجِنَّ وإِبلاسها، ... ويَأْسَها مِنْ بَعْدِ إِيناسها؟
أَي أَنها يَئِسَتْ مِمَّا كَانَتْ تَعْرِفُهُ وَتُدْرِكُهُ مِنِ اسْتِرَاقِ السَّمْعِ بِبَعْثَةِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. والإِيناسُ: الْيَقِينُ؛ قَالَ:
فإِن أَتاكَ امْرؤٌ يَسْعَى بِكذْبَتِه، ... فانْظُرْ، فإِنَّ اطِّلاعاً غَيْرُ إِيناسِ
الاطِّلاعُ: النَّظَرُ، والإِيناس: الْيَقِينُ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
ليَس بِمَا لَيْسَ بِهِ باسٌ باسْ، ... وَلَا يَضُرُّ البَرَّ مَا قَالَ الناسْ،
وإِنَّ بَعْدَ اطِّلاعٍ إِيناسْ
وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: بَعْدَ طُلوعٍ إِيناسٌ. الْفَرَّاءُ: مِنْ أَمثالهم: بَعْدَ اطِّلاعٍ إِيناسٌ؛ يَقُولُ: بَعْدَ طُلوعٍ إِيناس. وتَأَنَّسَ الْبَازِي: جَلَّى بطَرْفِه. وَالْبَازِي يَتَأَنَّسُ، وَذَلِكَ إِذا مَا جَلَّى وَنَظَرَ رَافِعًا رأْسه وطَرْفه. وَفِي الْحَدِيثِ:
لَوْ أَطاع اللَّهُ الناسَ فِي الناسِ لَمْ يَكُنْ ناسٌ
؛ قِيلَ: مَعْنَاهُ أَن النَّاسَ يُحِبُّونَ أَن لَا يُوَلَدَ لَهُمْ إِلا الذُّكْرانُ دُونَ الإِناث، وَلَوْ لَمْ يَكُنِ الإِناث ذَهَبَ الناسُ، وَمَعْنَى أَطاع اسْتَجَابَ دُعَاءَهُ. ومَأْنُوسَةُ والمَأْنُوسَةُ جَمِيعًا: النَّارُ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَلَا أَعرف لَهَا فِعْلًا، فأَما آنَسْتُ فإِنما حَظُّ الْمَفْعُولِ مِنْهَا مُؤْنَسَةٌ؛ وَقَالَ ابْنُ أَحمر:
كَمَا تَطايَرَ عَنْ مَأْنُوسَةَ الشَّرَرُ
قَالَ الأَصمعي: وَلَمْ نَسْمَعْ بِهِ إِلا فِي شِعْرِ ابْنِ أَحمر. ابْنُ الأَعرابي: الأَنِيسَةُ والمَأْنُوسَةُ النَّارُ، وَيُقَالُ لَهَا السَّكَنُ لأَن الإِنسان إِذا آنَسَها لَيْلًا أَنِسَ بِهَا وسَكَنَ إِليها وَزَالَتْ عَنْهُ الوَحْشَة، وإِن كَانَ بالأَرض القَفْرِ. أَبو عَمْرٍو: يُقَالُ للدِّيكِ الشُّقَرُ والأَنيسُ والنَّزِيُّ. والأَنِيسُ: المُؤَانِسُ وَكُلُّ مَا يُؤْنَسُ بِهِ. وَمَا بِالدَّارِ أَنِيسٌ أَي أَحد؛ وَقَوْلُ الْكُمَيْتِ:
فِيهنَّ آنِسَةُ الحدِيثِ حَيِيَّةٌ، ... ليسَتْ بفاحشَةٍ وَلَا مِتْفالِ
أَي تَأْنَسُ حديثَك وَلَمْ يُرِدْ أَنها تُؤْنِسُك لأَنه لَوْ