بالآباءِ فَجَعَل المالَ بِمَنْزِلَةِ شَرَفِ النَّفْسِ أَو الآباءِ، وَالْمَعْنَى أَنَّ الفَقِير ذَا الحَسَبِ لَا يُوَقَّر، وَلَا يُحْتَفَلُ بِهِ، والغنِيُّ الَّذِي لَا حَسَبَ لَهُ، يُوقَّر ويُجَلُّ فِي العُيون. وَفِي الْحَدِيثِ:
حَسَبُ الرَّجل خُلُقُه، وكَرَمُهُ دِينُه.
وَالْحَدِيثُ الْآخَرُ:
حَسَبُ الرَّجل نَقاءُ ثَوْبَيْهِ
أَي إِنَّهُ يُوَقَّرُ لِذَلِكَ، حيثُ هُوَ دَليل الثَّرْوة والجِدةِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
تُنْكَحُ المَرأَة لمالِها وحَسَبِها ومِيسَمِها ودِينِها، فعَليكَ بذاتِ الدِّين، تَرِبَتْ يَداكَ
؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: قِيلَ الحَسَبُ هَاهُنَا: الفَعَالُ الحَسَنُ. قَالَ الأَزهري: والفُقَهاءِ يَحْتاجُون إِلَى مَعْرِفة الحَسَبِ، لأَنه مِمَّا يُعْتَبر بِهِ مَهْرُ مِثْلِ المرأَة، إِذَا عُقِدَ النِّكاحُ عَلَى مَهْرٍ فاسِدٍ، قَالَ: وَقَالَ شَمِرٌ فِي كِتَابِهِ المُؤَلَّف فِي غَريب الْحَدِيثِ: الحَسَبُ الفَعالُ الحَسنُ لَهُ وَلِآبَائِهِ، مَأْخُوذٌ مِنَ الحِسابِ إِذَا حَسَبُوا مَناقِبَهم؛ وَقَالَ الْمُتَلَمِّسُ:
ومَن كَانَ ذَا نَسْبٍ كَرِيمٍ، وَلَمْ يَكُنْ ... لَه حَسَبٌ، كَانَ اللَّئِيمَ المُذمَّما
ففَرقَ بَين الحَسَبِ والنَّسَبِ، فَجَعَلَ النَّسَبَ عدَد الآباءِ والأُمهاتِ، إِلَى حَيْثُ انْتَهى. والحَسَبُ: الفَعالُ، مِثْلُ الشَّجاعةِ والجُود، وحُسْنِ الخُلُقِ والوَفاءِ قَالَ الأَزهري: وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ شَمِرٌ صَحِيحٌ، وَإِنَّمَا سُميت مَساعِي الرجُل ومآثِرُ آبَائِهِ حَسَباً، لأَنهم كَانُوا إِذَا تَفاخَرُوا عَدَّ المُفاخِرُ مِنْهُمْ مَناقِبَه ومَآثِرَ آبَائِهِ وحَسَبها؛ فالحَسْبُ: العَدُّ والإِحْصاءُ؛ والحَسَبُ مَا عُدَّ؛ وَكَذَلِكَ العَدُّ، مَصْدَرُ عَدَّ يَعُدُّ، والمَعْدُودُ عَدَدٌ. وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنه قَالَ: حَسَبُ المَرْءِ دِينُه، ومُرُوءَتُه خُلُقه، وأَصلُه عَقْلُه.
وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنَّ النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: كَرَمُ المَرْءِ دِينُه، ومُرُوءَتُه عَقْلُه، وحَسَبُه خُلُقُه
؛ ورَجُل شَريفٌ ورجُلٌ ماجِدٌ: لَهُ آباءٌ مُتَقَدِّمون فِي الشَّرَفِ؛ ورَجُلٌ حَسِيبٌ، ورَجُلٌ كرِيمٌ بنفْسِه. قَالَ الأَزهري: أَراد أَن الحَسَبَ يَحْصُلُ للرَّجل بكَرم أَخْلاقِه، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نَسَبٌ، وَإِذَا كَانَ حَسِيبَ الآباءِ، فَهُوَ أَكرَمُ لَهُ. وَفِي حَدِيثِ وَفْدِ هَوازِنَ:
قَالَ لَهُمْ: اخْتاروا إحْدَى الطائِفَتَيْنِ: إِما المالَ، وإِما السَّبْيَ. فَقَالُوا: أَمَّا إذْ خَيَّرْتَنا بَيْنَ المالِ والحَسَبِ، فإِنَّا نَخْتارُ الحَسَبَ، فاخْتاروا أَبْناءَهم ونِساءَهم
؛ أَرادوا أَنَّ فِكاكَ الأَسْرَى وإيثارَه عَلَى اسْتِرْجاعِ المالِ حَسَبٌ وفَعالٌ حَسَنٌ، فَهُوَ بالاختِيار أَجْدَرُ؛ وَقِيلَ: الْمُرَادُ بالحَسَب هَاهُنَا عَدَد ذَوي القَراباتِ، مأْخوذ مِنَ الحِساب، وَذَلِكَ أَنهم إِذَا تَفاخَرُوا عَدُّوا مَناقِبَهم ومآثِرَهم، فالحَسَب العَدُّ والمَعْدُود، والحَسَبُ والحَسْبُ قَدْرُ الشيءِ، كَقَوْلِكَ: الأَجْرُ بحَسَبِ مَا عَمِلْتَ وحَسْبِه أَي قَدْره؛ وَكَقَوْلِكَ: عَلَى حَسَبِ مَا أَسْدَيْتَ إِلَيَّ شُكْري لَكَ، تَقُولُ أَشْكُرُكَ عَلَى حَسَبِ بَلَائِكَ عِنْدي أَي عَلَى قَدْر ذَلِكَ. وحَسْبُ، مَجْزُومٌ: بِمَعْنَى كَفَى؛ قَالَ سِيبَوَيْهِ: وأَمَّا حَسْبُ، فَمَعْنَاهَا الاكْتِفاءُ. وحَسْبُكَ دِرْهم أَي كَفاكَ، وَهُوَ اسْمٌ، وَتَقُولُ: حَسْبُكَ ذَلِكَ أَي كفاكَ ذَلِكَ؛ وأَنشد ابْنُ السِّكِّيتِ:
ولمْ يَكُنْ مَلَكٌ للقَوم يُنْزِلُهم، ... إلَّا صَلاصِلُ لَا تُلْوَى عَلَى حَسَبِ
وَقَوْلُهُ: لَا تُلْوَى عَلَى حَسَبٍ، أَي يُقْسَمُ بَيْنَهُمْ بالسَّوِيَّة، لَا يُؤْثَر بِهِ أَحد؛ وَقِيلَ: لَا تُلْوَى