فَفِيهِ ثَلَاثُ لُغَاتٍ: فَزِعتُ القومَ وفَزَعْتُهم وأَفزَعْتُهم، كُلُّ ذَلِكَ بِمَعْنَى أَغَثْتُهم. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَمِمَّا يُسأَل عَنْهُ يُقَالُ كَيْفَ يَصِحُّ أَن يُقَالَ فَزِعْتُه بِمَعْنَى أَغَثْتُه مُتَعَدِّيًا وَاسْمُ الْفَاعِلِ مِنْهُ فَعِلٌ، وَهَذَا إِنما جَاءَ فِي نَحْوِ قَوْلِهِمْ حَذِرْتُه فأَنا حَذِرُه، وَاسْتَشْهَدَ سِيبَوَيْهِ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ حَذِرٌ أُمُوراً، وَرَدُّوا عَلَيْهِ وَقَالُوا: الْبَيْتُ مَصْنُوعٌ، وَقَالَ الْجَرْمِيُّ: أَصله حَذِرْتُ مِنْهُ فَعَدَّى بإِسقاط مِنْهُ، قَالَ: وَهَذَا لَا يَصِحُّ فِي فَزِعْتُه بِمَعْنَى أَغثته أَن يَكُونَ عَلَى تَقْدِيرِ مِنْ، وَقَدْ يَجُوزُ أَن يَكُونَ فَزِعٌ مَعْدُولًا عَنْ فازِعٍ كَمَا كانَ حَذِرٌ مَعْدُولًا عَنْ حاذِر، فَيَكُونَ مِثْلَ سَمِعٍ عدولًا عَنْ سامِعٍ فَيَتَعَدَّى بِمَا تَعَدَّى سَامِعٌ، قَالَ: وَالصَّوَابُ فِي هَذَا أَن فَزِعْتُه بِمَعْنَى أَغثته بِمَعْنَى فَزِعْتُ لَهُ ثُمَّ أُسقطت اللَّامُ لأَنه يُقَالُ فَزِعْتُه وفَزِعْتُ لَهُ، قَالَ: وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ. والإِفْزاعُ: الإِغاثةُ. والإِفْزاعُ: الإِخافةُ. يُقَالُ: فَزِعْتُ إِليه فأَفْزَعَنِي أَي لَجَأْتُ إِليه مِنَ الفَزَعِ فأَغاثني، وَكَذَلِكَ التفْزِيعُ، وَهُوَ مِنَ الأَضداد، أَفْزَعْتُه إِذا أَغَثْتَه، وأَفْزَعْتُه إِذا خَوَّفْتَه، وَهَذِهِ الأَلفاظ كُلُّهَا صَحِيحَةٌ وَمَعَانِيهَا عَنِ الْعَرَبِ مَحْفُوظَةٌ. يُقَالُ: أَفْزَعْتُه لَمَّا فَزِعَ أَي أَغَثْتُه لَمَّا استغاثَ. وَفِي حَدِيثِ الْمَخْزُومِيَّةِ:
فَفَزِعُوا إِلى أُسامةَ
أَي اسْتَغَاثُوا بِهِ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَيُقَالُ فَزِعْتُ الرجلَ أغَثْتُهُ بِمَعْنَى أَفْزَعْتُه، فَيَكُونُ عَلَى هَذَا الفَزِعُ المُغِيثَ والمُسْتَغِيثَ، وَهُوَ مِنَ الأَضداد. قَالَ الأَزهري: وَالْعَرَبُ تَجْعَلُ الفَزَعَ فَرَقاً، وَتَجْعَلُهُ إِغاثة للمفزوعِ المُرَوَّعِ، وَتَجْعَلُهُ استِغاثة، فأَما الفزَعُ بِمَعْنَى الِاسْتِغَاثَةِ فَفِي الْحَدِيثِ:
أَنه فَزِعَ أَهلُ الْمَدِينَةِ لَيْلًا فَرَكِبَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَسًا لأَبي طَلْحَةَ عُرْياً فَلَمَّا رَجَعَ قَالَ: لَنْ تراعُوا، إِني وَجَدْتُهُ بَحْرًا
؛ مَعْنَى قَوْلِهِ فَزِعَ أَهل الْمَدِينَةِ أَي اسْتَصْرَخوا وَظَنُّوا أَن عَدُوًّا أَحاط بِهِمْ، فَلَمَّا قَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَنْ تُرَاعُوا، سَكَنَ مَا بِهِمْ مِنَ الفَزَع. يُقَالُ: فزِعْتُ إِليه فأَفْزَعَني أَي اسْتَغَثْتُ إِليه فأَغاثني. وَفِي صِفَةِ عَلِيٍّ، عَلَيْهِ السَّلَامُ:
فإِذا فُزِعَ فُزِعَ إِلَى ضِرْسٍ حديدٍ
أَي إِذا استُغِيثَ بِهِ التُجِئَ إِلى ضِرْسٍ، وَالتَّقْدِيرُ فإِذا فُزِعَ إِليه فُزِعَ إِلى ضِرْسٍ، فَحُذِفَ الْجَارُّ وَاسْتَتَرَ الضَّمِيرُ. وفَزِعَ الرجلُ: انْتَصَرَ، وأَفْزَعَه هُوَ. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنه فَزِعَ مِنْ نَوْمِهِ مُحْمَرّاً وَجْهُهُ
، وَفِي رِوَايَةٍ:
أَنه نَامَ فَفَزِعَ وَهُوَ يَضْحَكُ
أَيْ هَبَّ وَانْتَبَهَ؛ يُقَالُ: فَزِع مِنْ نَوْمِهِ وأَفْزَعْتُه أَنا، وكأَنه مِنَ الفَزَعِ الخوْفِ لأَنَّ الَّذِي يُنَبَّه لَا يَخْلُو مِنْ فَزَعٍ مَا. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَلا أَفْزَعْتُموني
أَي أَنْبَهْتُموني. وَفِي حَدِيثِ فَضْلِ عُثْمَانَ:
قَالَتْ عَائِشَةُ لِلنَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا لِي لَمْ أَركَ فَزِعْتَ لأَبي بَكْرٍ وَعُمَرَ كَمَا فَزِعْتَ لِعُثْمَانَ؟ فَقَالَ: عثمانُ رَجُلٌ حَييٌّ.
يُقَالُ: فَزِعْتُ لِمَجيءِ فُلَانٍ إِذا تأَهَّبْتَ لَهُ متحوِّلًا مِنْ حَالٍ إِلى حَالٍ كَمَا يَنْتَقِلُ النَّائِمُ مِنَ النَّوْمِ إِلى الْيَقَظَةِ، وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ بِالرَّاءِ وَالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ مِنَ الْفَرَاغِ وَالِاهْتِمَامِ، والأَول الأَكثر. وفَزْعٌ وفَزَّاعٌ وفُزَيْعٌ: أَسماءٌ. وَبَنُو فَزَعٍ: حَيٌّ.
فصع: فَصَعَ الرُّطَبةَ يَفْصَعُها فَصْعاً وفَصَّعَها إِذا أَخذها بإِصْبَعِه فَعَصَرَها حَتَّى تَنْقَشِرَ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا دَلَّكْتَهُ بإِصْبَعَيْكَ لِيَلِينَ فَيَنْفَتِحَ عَمَّا فِيهِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنه نَهَى عَنْ فَصْعِ الرُّطَبَةِ
؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: فَصْعُها أَن تُخْرِجَهَا مِنْ قِشْرِهَا لتَنْضَبِحَ عَاجِلًا. وفَصَعْتُ الشيءَ مِنَ الشيءِ إِذا أَخرجته وخَلَعْتَه. وفَصَّعَ الرجلُ يُفَصِّعُ تَفْصِيعاً: بَدَتْ مِنْهُ رِيحُ سَوْءٍ وفَسْوٍ.