مِنَ فِي مَوْضِعِ نصبٍ لأَن المعصومَ خلافُ العاصِم، والمَرْحومُ مَعصومٌ، فَكَانَ نصْبُه بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ تَعَالَى: مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِّ، قَالَ: وَلَوْ جعلتَ عاصِماً فِي تأْويل المَعْصوم أَيْ لَا مَعْصومَ اليومَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ جازَ رفْعُ مِنَ، قَالَ: وَلَا تُنْكِرَنَّ أَنْ يُخَرَّجَ المفعولُ «٣» عَلَى الفاعِل، أَلا تَرَى قولَه عَزَّ وَجَلَّ: خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ؟ مَعْنَاهُ مَدْفوق؛ وَقَالَ الأَخفش: لَا عاصِمَ الْيَوْمَ
يَجُوزُ أَن يَكُونَ لَا ذَا عِصمةٍ أَيْ لَا مَعْصومَ، وَيَكُونُ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رفْعاً بَدَلًا مِنْ لَا عاصِمَ
، قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: وَهَذَا خَلْفٌ مِنَ الْكَلَامِ لَا يَكُونُ الفاعلُ فِي تأْويل الْمَفْعُولِ إِلَّا شَاذَّا فِي كَلَامِهِمْ، والمرحومُ معصومٌ، والأَوَّل عاصمٌ، ومِنَ نَصْبٌ بِالِاسْتِثْنَاءِ الْمُنْقَطِعِ، قَالَ: وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الأَخفش يَجُوزُ فِي الشُّذُوذِ، وَقَالَ الزَّجَّاجُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: سَآوِي إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ
، أَيْ يمنعُني مِنَ الْمَاءِ، وَالْمَعْنَى مِنْ تَغْرِيقِ الْمَاءِ، قالَ: لَا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ
، هَذَا اسْتِثْنَاءٌ لَيْسَ مِنَ الأَول، وموضعُ مِنَ نصبٌ، الْمَعْنَى لكنْ مَنْ رَحِمَ اللهُ فَإِنَّهُ مَعْصُومٌ، قَالَ: وَقَالُوا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عاصِمَ
فِي مَعْنَى مَعْصُوم، وَيَكُونُ مَعْنَى لَا عاصِمَ
لَا ذَا عِصْمةٍ، وَيَكُونُ مِنَ فِي مَوْضِعِ رفعٍ، وَيَكُونُ الْمَعْنَى لَا مَعْصومَ إِلَّا الْمَرْحُومَ؛ قَالَ الأَزهري: والحُذَّاقُ مِنَ النَّحْوِيِّينَ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ قولَه لَا عاصِمَ
بِمَعْنَى لَا مانِعَ، وَأَنَّهُ فاعلٌ لَا مَفْعُولٌ، وأنَّ مِنَ نَصْبٌ عَلَى الِانْقِطَاعِ. واعْتَصَمَ فلانٌ بِاللَّهِ إِذَا امْتَنَعَ بِهِ. والعِصْمة: الحِفْظُ. يُقَالُ: عَصَمْتُه فانْعَصَمَ. واعْتَصَمْتُ بِاللَّهِ إِذَا امتنعْتَ بلُطْفِه مِنَ المَعْصِية. وعَصَمه الطعامُ: منَعه مِنَ الْجُوعِ. وَهَذَا طعامٌ يَعْصِمُ أَيْ يَمْنَعُ مِنَ الْجُوعِ. واعْتَصَمَ بِهِ واسْتَعْصَمَ: امتنعَ وأبَى؛ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ حِكَايَةً عَنِ امرأَة الْعَزِيزِ حِينَ راودَتْه عَنْ نفْسِه: فَاسْتَعْصَمَ
، أَيْ تَأَبَّى عَلَيْهَا وَلَمْ يُجِبها إِلَى مَا طلبَتْ؛ قَالَ الأَزهري: الْعَرَبُ تَقُولُ أَعْصَمْتُ بِمَعْنَى اعْتَصَمْت؛ وَمِنْهُ قولُ أَوْسِ بْنِ حَجَرٍ:
فأَشْرَط فِيهَا نفْسَه وهْو مُعْصِمٌ، ... وأَلْقى بأَسْبابٍ لَهُ وتَوَكَّلا
أَيْ وَهُوَ مُعْتَصِمٌ بالحبْل الَّذِي دَلَّاه. وَفِي الْحَدِيثِ:
مَنْ كَانَتْ عِصْمتُه شَهادةَ أَنْ لَا إلهَ إِلَّا اللهُ
أَيْ مَا يَعْصِمُه مِنَ المَهالِك يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ العصْمَةُ: المَنَعةُ. والعاصمُ: المانعُ الْحَامِي. والاعْتِصامُ: الامْتِساكُ بِالشَّيْءِ، افْتِعالٌ مِنْهُ؛ وَمِنْهُ شِعْرُ أَبي طَالِبٍ:
ثِمالُ اليتامَى عِصْمةٌ للأَرامِل
أَيْ يَمْنعُهم مِنَ الضَّياعِ والحاجةِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
فَقَدْ عَصَمُوا مِنِّي دِماءَهم وأَمْوالَهم.
وَفِي حَدِيثِ الإِفْكِ:
فعَصَمها اللَّهُ بالوَرَعِ.
وَفِي حَدِيثِ
عُمَر: وعِصْمة أَبْنائِنا إِذَا شَتَوْنا
أَيْ يَمْتَنِعُونَ بِهِ مِنْ شِدَّة السَّنة والجَدْب. وعَصَمَ إِلَيْهِ: اعْتَصَمَ بِهِ. وأَعْصَمَه: هَيَّأ لَهُ شَيْئًا يعْتَصِمُ بِهِ. وأَعْصمَ بالفرَسِ: امْتَسكَ بعُرْفِه، وَكَذَلِكَ البعيرُ إِذَا امْتَسَكَ بحَبْلٍ مِنْ حِبالهِ؛ قَالَ طُفيل:
إِذَا مَا غَزَا لَمْ يُسْقِط الرَّوْعُ رُمْحَه، ... وَلَمْ يَشْهَدِ الهَيْجا بأَلْوَثَ مُعْصِمِ
ألْوَث: ضعيف، ويروى: كذا مَا غَدَا. وأَعصمَ الرجلُ: لَمْ يَثْبُت عَلَى الْخَيْلِ. وأَعْصَمْتُ فُلَانًا إِذَا هَيَّأْتَ لَهُ فِي الرَّحْلِ أَوِ السَّرْج مَا يَعْتَصِمُ بِهِ لِئَلَّا يَسقُط. وأَعصم إِذَا تشدَّد واسْتَمْسَكَ بشيءٍ مِنْ
(٣). قوله يخرج المفعول إلخ كذا بالأَصل والتهذيب، والمناسب العكس كما يدل عليه سابق الكلام ولاحقه