أَنَّهُ عَوَّذ ابْنَيْهِ، قَالَ: وَكَانَ أَبُوكُمْ إبراهيمُ يُعَوِّذ إسحاق ويعقوب بِهَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ: أُعِيذُكُما بِكَلِمَةِ اللَّهِ التَّامَّهْ مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ وَهَامَّةٍ
مِنْ شرِّ كُلِّ سَامَّةٍ، وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ لامَّة
؛ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: قَالَ لامَّة وَلَمْ يَقُلْ مُلِمَّة، وَأَصْلُهَا مِنْ أَلْمَمْت بِالشَّيْءِ تأْتيه وتُلِمّ بِهِ ليُزاوِج قَوْلَهُ مِنْ شرِّ كُلِّ سَامَّةٍ، وَقِيلَ: لأَنه لَمْ يُرَد طريقُ الْفِعْلِ، وَلَكِنْ يُراد أَنَّهَا ذاتُ لَمَمٍ فَقِيلَ عَلَى هَذَا لامَّة كَمَا قَالَ النَّابِغَةُ:
كِلِيني لِهَمٍّ، يَا أُمَيْمة، ناصِب
وَلَوْ أَرَادَ الْفِعْلَ لَقَالَ مُنْصِب. وَقَالَ اللَّيْثُ: العينُ اللامَّة هِيَ الْعَيْنُ الَّتِي تُصيب الإِنسان، وَلَا يَقُولُونَ لَمَّتْه العينُ وَلَكِنْ حُمِلَ عَلَى النَّسَبِ بِذِي وَذَاتِ. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: لِابْنِ آدَمَ لَمَّتَان: لَمّة مِنَ المَلَك، ولَمّة مِنَ الشَّيْطَانِ، فَأَمَّا لَمَّة الْمَلَكِ فاتِّعادٌ بِالْخَيْرِ وتَصْديق بِالْحَقِّ وَتَطْيِيبٌ بِالنَّفْسِ، وَأَمَّا لَمَّةُ الشَّيْطَانِ فاتِّعادٌ بِالشَّرِّ وَتَكْذِيبٌ بِالْحَقِّ وَتَخْبِيثٌ بِالنَّفْسِ.
فَأَمَّا لَمَّة الملَك فيَحْمَد اللهَ عَلَيْهَا ويتعوَّذ مِنْ لَمَّة الشَّيْطَانِ
؛ قَالَ شَمِرٌ: اللَّمَّة الهَمّة والخَطرة تَقَعُ فِي الْقَلْبِ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: أَرَادَ إلمامَ المَلَك أَوِ الشَّيْطَانِ بِهِ والقربَ مِنْهُ، فَمَا كَانَ مِنْ خَطَرات الْخَيْرِ فَهُوَ مِنَ المَلك، وَمَا كَانَ مِنْ خَطَرَاتِ الشَّرِّ فَهُوَ مِنَ الشَّيْطَانِ. واللَّمَّة: كَالْخَطْرَةِ والزَّوْرة والأَتْية؛ قَالَ أَوس بْنُ حَجَرٍ:
وَكَانَ، إِذَا مَا الْتَمَّ مِنْهَا بحاجةٍ، ... يراجعُ هِتْراً مِنْ تُماضِرَ هاتِرا
يَعْنِي دَاهِيَةً، جَعَلَ تُماضِر، اسْمَ امْرَأَةٍ، دَاهِيَةً. قَالَ: والْتَمَّ مِنَ اللَّمّة أَيْ زَارَ، وَقِيلَ فِي قَوْلِهِ لِلشَّيْطَانِ لَمَّةٌ أَيْ دُنُوٌّ، وَكَذَلِكَ للمَلك لَمَّة أَيْ دُنوّ. ويَلَمْلَم وأَلَمْلَم عَلَى الْبَدَلِ: جَبَلٌ، وَقِيلَ: مَوْضِعٌ، وَقَالَ ابْنُ جِنِّي: هُوَ مِيقاتٌ، وَفِي الصِّحَاحِ: مِيقاتُ أَهْلِ الْيَمَنِ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ؛ وَلَا أَدْرِي مَا عَنى بِهَذَا اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْمِيقَاتُ هُنَا مَعْلَماً مِنْ مَعالِم الْحَجِّ، التَّهْذِيبُ: هُوَ مِيقَاتُ أَهْلِ الْيَمَنِ للإِحرام بِالْحَجِّ مَوْضِعٌ بِعَيْنِهِ. التَّهْذِيبُ: وَأَمَّا لَمَّا، مُرْسَلة الأَلِف مشدَّدة الْمِيمِ غَيْرُ مُنَوَّنَةٍ، فَلَهَا معانٍ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ: أَحَدُهَا أَنَّهَا تَكُونُ بِمَعْنَى الْحِينَ إِذَا ابْتُدِئَ بِهَا، أَوْ كَانَتْ مَعْطُوفَةً بِوَاوٍ أَوْ فاءٍ وأُجِيبت بِفِعْلٍ يَكُونُ جَوَابَهَا كَقَوْلِكَ: لَمَّا جَاءَ الْقَوْمُ قاتَلْناهم أي حينَ جاؤُوا كَقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ
، وَقَالَ: فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قالَ يا بُنَيَ
؛ مَعْنَاهُ كُلُّهُ حِينَ؛ وَقَدْ يُقَدَّمُ الجوابُ عَلَيْهَا فَيُقَالُ: اسْتَعَدَّ القومُ لِقِتَالِ العَدُوِّ لَمَّا أَحَسُّوا بِهِمْ أَيْ حِينَ أَحَسُّوا بِهِمْ، وَتَكُونُ لَمَّا بِمَعْنَى لَمِ الْجَازِمَةِ؛ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذابِ
؛ أَيْ لَمْ يَذُوقُوهُ، وَتَكُونُ بِمَعْنَى إلَّا فِي قَوْلِكَ: سأَلتكَ لَمَّا فَعَلَتْ، بِمَعْنَى إِلَّا فَعَلْتَ، وَهِيَ لُغَةُ هُذَيْلٍ بِمَعْنَى إِلَّا إِذَا أُجيب بِهَا إِنَّ الَّتِي هِيَ جَحْد كَقَوْلِهِ عزَّ وَجَلَّ: إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ
، فِيمَنْ قرأَ بِهِ، مَعْنَاهُ مَا كَلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ؛ وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ
؛ شَدَّدَهَا عَاصِمٌ، وَالْمَعْنَى مَا كُلٌّ إِلَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: لَمَّا إِذَا وُضِعت فِي مَعْنَى إِلَّا فكأَنها لمْ ضُمَّت إِلَيْهَا مَا، فَصَارَا جَمِيعًا بِمَعْنَى إِنَّ الَّتِي تَكُونُ جَحداً، فَضَمُّوا إِلَيْهَا لَا فَصَارَا جَمِيعًا حَرْفًا وَاحِدًا وَخَرَجَا مِنْ حَدِّ الْجَحْدِ، وَكَذَلِكَ لَمَّا؛ قَالَ: وَمِثْلُ ذَلِكَ قَوْلِهِمْ: لَوْلَا، إِنَّمَا هِيَ لَوْ وَلَا جُمِعتا، فَخَرَجَتْ لَوْ مِنْ حدِّها وَلَا مِنَ الْجَحْدِ إِذْ جُمِعتا فصُيِّرتا حَرْفًا؛ قَالَ: وَكَانَ الْكِسَائِيُّ يَقُولُ لَا أَعرفَ وَجْهَ لَمَّا بِالتَّشْدِيدِ؛ قَالَ أَبُو مَنْصُورٍ: وَمِمَّا يدُلُّك عَلَى أَنَّ لَمَّا