بَعْضاً «١»، غَيْرُهُ. وَيُقَالُ للكَذِبِ: كِذابٌ؛ ومِنه قَوْلُهُ تَعَالَى:
لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلَا كِذاباً
أَي كَذِباً؛ وأَنشد أَبو الْعَبَّاسِ قولَ أَبي دُوادٍ:
قُلْتُ لمَّا نَصَلا منْ قُنَّةٍ: ... كَذَبَ العَيْرُ وإِنْ كانَ بَرَحْ
قَالَ مَعْنَاهُ: كَذَبَ العَيْرُ أَنْ يَنْجُوَ مِنِّي أَيَّ طَريقٍ أَخَذَ، سانِحاً أَو بارِحاً؛ قَالَ: وَقَالَ الفراءُ هَذَا إِغراءٌ أَيضاً. وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ، قَالَ الْكِسَائِيُّ: أَهلُ الْيَمَنِ يَجْعَلُونَ مصدرَ فَعَّلْتُ فِعَّالًا، وَغَيْرُهُمْ مِنَ الْعَرَبِ تَفْعِيلًا. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: كِذَّاباً أَحد مَصَادِرِ المشدَّد، لأَن مَصْدَرَهُ قَدْ يجيءُ عَلَى التَّفْعِيلِ مِثْلَ التَّكْلِيم، وَعَلَى فِعَّالٍ مِثْلَ كِذَّابٍ، وَعَلَى تَفعِلَة مِثْلَ تَوْصِيَة، وَعَلَى مُفَعَّلٍ مِثْلَ: وَمَزَّقْناهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ. والتَّكاذُبُ مِثْلُ التَّصادُق. وتكَذَّبُوا عَلَيْهِ: زَعَمُوا أَنه كاذِبٌ؛ قَالَ أَبو بَكْرٍ الصدِّيق، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
رسُولٌ أَتاهم صادِقٌ، فَتَكَذَّبُوا ... عَلَيْهِ وقالُوا: لَسْتَ فِينَا بماكِثِ
وتَكَذَّبَ فلانٌ إِذا تَكَلَّفَ الكَذِبَ. وأَكْذَبَه: أَلْفاه كاذِباً، أَو قَالَ لَهُ: كَذَبْتَ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ
؛ قُرِئَتْ بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّثْقِيلِ. وَقَالَ الفراءُ:
وقُرِئَ لَا يُكْذِبُونَكَ
، قَالَ: وَمَعْنَى التَّخْفِيفِ، وَاللَّهُ أَعلم، لَا يَجْعَلُونَكَ كذَّاباً، وأَن مَا جئتَ بِهِ باطلٌ، لأَنهم لَمْ يُجَرِّبُوا عَلَيْهِ كَذِباً فَيُكَذِّبُوه، إِنما أَكْذَبُوه أَي قَالُوا: إِنَّ مَا جِئْتَ بِهِ كَذِبٌ، لَا يَعْرِفونه مِنَ النُّبُوَّة. قَالَ: والتَّكْذيبُ أَن يُقَالَ: كَذَبْتَ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: مَعْنَى كَذَّبْتُه، قلتُ لَهُ: كَذَبْتَ؛ وَمَعْنَى أَكْذَبْتُه، أَرَيْتُه أَن مَا أَتى بِهِ كَذِبٌ. قَالَ: وَتَفْسِيرُ قَوْلِهِ لَا يُكَذِّبُونَكَ
، لَا يَقْدِرُونَ أَن يَقُولُوا لَكَ فِيمَا أَنْبَأْتَ بِهِ مِمَّا فِي كُتُبِهِمْ: كَذَبْتَ. قَالَ: ووَجْهٌ آخَرُ لَا يُكَذِّبُونَكَ بِقُلُوبِهِمْ، أَي يَعْلَمُونَ أَنك صَادِقٌ؛ قَالَ: وَجَائِزٌ أَن يَكُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ
أَي أَنت عِنْدَهُمْ صَدُوق، وَلَكِنَّهُمْ جَحَدُوا بأَلسنتهم، مَا تَشْهَدُ قُلُوبُهم بِكَذِبِهِمْ فِيهِ. وَقَالَ الفراءُ فِي قَوْلِهِ تعالى: فَما يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ
؛ يَقُولُ فَمَا الَّذِي يُكَذِّبُكَ بأَن الناسَ يُدانونَ بأَعمالهم، كأَنه قَالَ: فَمَنْ يَقْدِرُ عَلَى تَكْذِيبِنَا بالثواب والعقاب، بعد ما تَبَيَّنَ لَهُ خَلْقُنا للإِنسان، عَلَى مَا وَصَفْنَا لَكَ؟ وَقِيلَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: فَما يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ
؛ أَي مَا يَجْعَلُكَ مُكَذِّباً، وأَيُّ شيءٍ يَجْعَلُك مُكَذِّباً بالدِّينِ أَي بِالْقِيَامَةِ؟ وَفِي التَّنْزِيلِ العزيز: وَجاؤُ عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ.
رُوِي فِي التَّفْسِيرِ أَن إِخوةَ يُوسُفَ لَمَّا طَرَحُوه فِي الجُبِّ، أَخَذُوا قميصَه، وذَبَحُوا جَدْياً، فلَطَخُوا القَمِيصَ بدَمِ الجَدْي، فَلَمَّا رأَى يعقوبُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، القَميصَ، قَالَ: كَذَبْتُمْ، لَوْ أَكَلَه الذِّئبُ لمَزَّقَ قَمِيصَهُ.
وَقَالَ الفراءُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: بِدَمٍ كَذِبٍ
؛ مَعْنَاهُ مَكْذُوبٍ. قَالَ: وَالْعَرَبُ تَقُولُ للكَذِبِ: مَكْذُوبٌ، وللضَّعْف مَضْعُوفٌ، وللْجَلَد: مَجْلُود، وَلَيْسَ لَهُ مَعْقُودُ رَأْيٍ، يُرِيدُونَ عَقْدَ رَأْيٍ، فيجعلونَ المصادرَ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْكَلَامِ مَفْعُولًا. وحُكي عَنْ أَبي ثَرْوانَ أَنه قَالَ: إِن بَنِي نُمَيْرٍ ليس لحَدِّهم مَكْذُوبةٌ
(١). زاد في التكملة: وعن عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ كذاباً، بضم الكاف وبالتشديد، ويكون صفة على المبالغة كوضاء وحسان، يقال كذب، أي بالتخفيف، كذاباً بالضم مشدداً أي كذباً متناهياً.