أَراد الْهَمْزَ فَتَرَكَهُ إِلا أَنه عَقَد الْبَابَ بفِعْلاء فَفَضَحَ ذَاتَهُ وأَبان هَناتَه. وفي التنزيل العزيز: يْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً
؛ قَالَ أَبو إِسحاق: مَعْنَاهُ يُرْجِعُكم إِلى نَفْسه، وأَتَى الأَمرَ مِنْ مَأْتَاهُ ومَأْتَاتِه أَي مِنْ جهتِه وَوَجْهه الَّذِي يُؤْتَى مِنْهُ، كَمَا تَقُولُ: مَا أَحسَنَ مَعْناةَ هَذَا الْكَلَامِ، تُريد مَعْنَاهُ؛ قَالَ الرَّاجِزُ:
وحاجةٍ كنتُ على صُماتِها صِماتِها ... أَتَيْتُها وحْدِيَ مِنْ مَأْتَاتها
وآتَى إِليه الشيءَ: ساقَه. والأَتِيُّ: النَّهَرُ يَسوقه الرَّجُلُ إِلى أَرْضه، وَقِيلَ: هُوَ المَفْتَح، وكلُّ مَسيل سَهَّلْته لماءٍ أَتِيٌّ، وَهُوَ الأُتِيُّ؛ حَكَاهُ سِيبَوَيْهِ، وَقِيلَ: الأُتِيُّ جمعٌ. وأَتَّى لأَرْضِه أَتِيّاً: ساقَه؛ أَنشد ابْنُ الأَعرابي لأَبي مُحَمَّدٍ الفَقْعسيّ:
تَقْذِفهُ فِي مِثْلِ غِيطان التِّيهْ، ... فِي كلِّ تِيهٍ جَدْول تُؤَتِّيهْ
شبَّه أَجْوافها فِي سَعَتها بالتِّيهِ، وَهُوَ الواسِعُ مِنَ الأَرض. الأَصمعي: كلُّ جَدْوَلِ ماءٍ أَتِيّ؛ وَقَالَ الرَّاجِزُ:
ليُمْخَضَنْ جَوْفُكِ بالدُّليِّ، ... حَتَّى تَعُودي أَقْطَعَ الأَتِيِ
قَالَ: وَكَانَ يَنْبَغِي «٢». أَن يَقُولَ قَطْعاً قَطعاء الأَتيِّ لأَنه يُخاطب الرَّكِيَّة أَو الْبِئْرَ، وَلَكِنَّهُ أَراد حَتَّى تَعُودي مَاءً أَقْطَع الأَتيّ، وَكَانَ يَسْتَقِي ويَرْتجِز بِهَذَا الرِّجْزِ عَلَى رأْس الْبِئْرِ. وأَتَّى لِلْمَاءِ: وَجَّه لَهُ مَجْرىً. وَيُقَالُ: أَتِّ لِهَذَا الْمَاءِ فتُهَيِّئَ لَهُ طَرِيقَهُ. وَفِي حَدِيثِ
ظَبْيان فِي صِفة دِيار ثَمُود قَالَ: وأَتَّوْا جَداوِلَها
أَي سَهَّلوا طُرُق المِياه إِليها. يُقَالُ: أَتَّيْت الْمَاءَ إِذا أَصْلَحْت مَجْراه حَتَّى يَجْرِي إِلى مَقارِّه. وَفِي حَدِيثِ بَعْضِهِمْ:
أَنه رأَى رَجُلًا يُؤَتِّي الماءَ فِي الأَرض
أَي يُطَرِّق، كأَنه جَعَلَهُ يأْتي إِليها أَي يَجيءُ. والأَتِيُّ والإِتاءُ: مَا يَقَعُ فِي النَّهَرِ «٣». مِنْ خَشَبٍ أَو ورَقٍ، والجمعُ آتَاءٌ وأُتيٌّ، وَكُلُّ ذَلِكَ مِنَ الإِتْيان. وسَيْل أَتِيٌّ وأَتَاوِيٌّ: لَا يُدْرى مِنْ أَيْن أَتى؛ وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: أَي أَتى ولُبِّس مَطَرُه عَلَيْنَا؛ قَالَ الْعَجَّاجُ:
كأَنه، والهَوْل عَسْكَرِيّ، ... سَيْلٌ أَتِيٌّ مَدَّه أَتِيّ
وَمِنْهُ قولُ المرأَة الَّتِي هَجَت الأَنْصارَ، وحَبَّذا هَذَا الهِجاءُ:
أَطَعْتُمْ أَتَاوِيَّ مِنْ غَيْرِكُمْ، ... فَلَا مِنْ مُرادٍ وَلَا مَذْحِجِ
أَرادت بالأَتَاوِيِّ النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقَتَلَها بعضُ الصَّحَابَةِ فأُهْدِرَ دَمُها، وَقِيلَ: بَلِ السَّيل مُشَبَّه بِالرَّجُلِ لأَنه غريبٌ مِثْلُهُ؛ قَالَ:
لَا يُعْدَلُنَّ أَتَاوِيُّون تَضْرِبُهم ... نَكْباءُ صِرٌّ بأَصحاب المُحِلَّاتِ
قَالَ الْفَارِسِيُّ: وَيُرْوَى لَا يَعْدِلَنَّ أَتَاوِيُّون، فَحَذَفَ الْمَفْعُولَ، وأَراد: لَا يَعْدِلَنَّ أَتاويُّون شأْنُهم كَذَا أَنْفُسَهم.
ورُوي أَن النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سأَل عَاصِمَ بْنَ عَدِيّ الأَنْصاري عَنْ ثَابِتِ بْنِ الدحْداح وتُوُفِّيَ، فَقَالَ: هَلْ تَعْلَمُونَ لَهُ نَسَباً فيكم؟ فقال:
(٢). قوله وكان ينبغي إلخ هذه عبارة التهذيب وليست فيه لفظة قطعاً
(٣). قوله والأَتِيّ والإِتَاء مَا يَقَعُ في النهر هكذا ضبط في الأَصل، وعبارة القاموس وشرحه: والأَتَى كرضا، وضبطه بعض كعدي، والأَتَاء كسماء، وضبطه بعض ككساء: مَا يَقَعُ فِي النَّهَرِ مِنْ خَشَبٍ أَوْ وَرَقٍ