وَقَدْ سَرَى بِهِ وأَسْرَى. والسَّرَّاءُ: الكثِيرُ السُّرى بالليلِ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا
، وَفِيهِ أَيضاً: وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ
، فنزَل الْقُرْآنُ الْعَزِيزُ بِاللُّغَتَيْنِ. وَقَالَ أَبو عُبَيْدٍ عَنْ أَصحابه: سَرَيْت بالليل وأَسْرَيْت، فَجَاءَ بِاللُّغَتَيْنِ. وَقَالَ أَبو إِسْحَاقَ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ
، قَالَ: مَعْنَاهُ سَيَّرَ عَبْدَه. يُقَالُ: أَسْرَيْت وسَرَيْت إذا سِرْتَ ليلًا. وأَسْراهُ وأَسْرَى بِهِ: مثلُ أَخَذَ الخِطامَ وأَخَذَ بالخِطامِ، وَإِنَّمَا قَالَ سُبْحَانَهُ: سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا
، وَإِنْ كَانَ السُّرَى لَا يَكُونُ إِلَّا بِاللَّيْلِ للتأْكيد، كَقَوْلِهِمْ: سِرْت أَمسِ نَهَارًا والبارِحةَ لَيْلًا. والسِّرايَةُ: سُرَى اللَّيْلِ، وَهُوَ مَصْدَرٌ، ويَقلّ فِي الْمَصَادِرِ أَن تَجِيءَ عَلَى هَذَا الْبِنَاءِ لأَنه مِنْ أَبنية الْجَمْعِ، يَدُلُّ عَلَى صِحَّةٍ ذَلِكَ أَنَّ بَعْضَ الْعَرَبِ يُؤَنِّثُ السُّرَى والهُدى، وَهُمْ بَنُو أَسد، توهُّماً أَنهما جمعُ سُرْيَةٍ وهُدْيَةٍ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: شَاهِدُ هَذَا أَي تأْنيث السُّرى قَوْلُ جرير:
هُمُ رَجَعُوها بعدَ ما طالتِ السُّرى ... عَواناً، ورَدُّوا حُمْرةَ الكَيْنِ أَسْودا
وَقَالَ أَبو إِسْحَاقَ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ
؛ مَعْنَى يَسْرِ يَمْضِي، قَالَ: سَرى يَسْري إِذَا مَضى، قَالَ: وَحُذِفَتِ الْيَاءُ مِنْ يَسْرِي لأَنها رأْس آيَةٍ، وَقَالَ غَيْرُهُ قَوْلُهُ: وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ
، إِذَا يُسْرى فِيهِ كَمَا قَالُوا لَيْلٌ نائمٌ أَي يُنامُ فِيهِ. وَقَالَ: فَإِذَا عَزَم الأَمرُ أَي عُزِمَ عليه. والسارية من السحاب: التي تجيءُ لَيْلًا، وَفِي مَكَانٍ آخَرَ: السارِية السَّحَابَةِ الَّتِي تَسْري لَيْلًا، وَجَمْعُهَا السَّوَارِي؛ وَمِنْهُ قَوْلُ النَّابِغَةِ:
سَرَتْ عَلَيْهِ، مِنَ الجَوْزاءِ، ... سارِيَةٌ تُزْجِي الشَّمالُ عَلَيْهِ جامِدَ البرَد
ابْنُ سِيدَهْ: والسَّارِيَة السَّحَابَةُ الَّتِي بَيْنَ الغادِيَة وَالرَّائِحَةِ. وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: السَّارِيَة المَطْرة الَّتِي تَكُونُ بِاللَّيْلِ؛ وَقَوْلُ الشَّاعِرِ:
رأَيتُكَ تَغْشَى السَّارِياتِ، وَلَمْ تَكُنْ ... لتَرْكَبَ إلَّا ذَا الرّسُوم المُوقَّعا
قِيلَ: يعني ب السَّارِيَات الحُمُرَ لأَنها تَرْعى لَيْلًا وتَنَفَّسُ وَلَا تُقِرُّ بِاللَّيْلِ، وتَغْشى أَي تُرْكَبُ؛ هَذَا قَوْلُ ابْنِ الأَعرابي؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَعِنْدِي أَنه عَنَى بغِشْيانِها نِكاحَها، لأَن الْبَيْتَ لِلْفَرَزْدَقِ يَهْجُو جَرِيرًا وكأَنه يَعِيبُهُ بِذَلِكَ؛ وَاسْتَعَارَ بعضُهم السُّرى للدَّواهي والحُرُوبِ والهُمُومِ فَقَالَ فِي صِفَةِ الحرب أَنشده ثعلب للحرث بْنِ وَعْلَةَ:
ولكنَّها تَسْري، إِذَا نَامَ أَهلُها، ... فتأْتي عَلَى مَا لَيْسَ يَخْطُر فِي الوَهْمِ
وَفِي حَدِيثِ
مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَالسَبْعِينَ مِنْ قَوْمِهِ: ثُمَّ تَبْرُزُونَ صَبيحَةَ سارِيةٍ
أَيْ صَبيحةَ ليلةٍ فِيهَا مَطَر. والسَّارِيَة: السَّحَابَةُ تُمْطِر لَيْلًا، فاعِلة مِنَ السُّرى سَيرِ الليلِ، وَهِيَ مِنَ الصِّفَاتِ الْغَالِبَةِ؛ وَمِنْهُ قَوْلَ كَعْبِ بْنِ زُهَيْرٍ:
تَنْفي الرِّيَاحُ القَذَى عَنْهُ، وأَفْرَطَه، ... مِنْ صَوْبِ ساريةٍ، بيضٌ يَعالِيلُ
وَفِي الْحَدِيثِ:
أَن النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ فِي الحَساء إِنَّهُ يَرْتُو فؤادَ الحَزِين ويَسْرُو عَنْ فُؤَادِ السَّقيم
؛ قَالَ الأَصمعي: يَرْتو بِمَعْنَى يَشُدُّه ويقوِّيه، وَأَمَّا يَسْرُو فَمَعْنَاهُ يكشِفُ عَنْ فؤادِه الأَلم ويُزيلُه، وَلِهَذَا قِيلَ سَرَوْت الثَّوْبَ وَغَيْرَهُ عَنِّي سَرْواً وسَرَيتُه وسَرَّيته إِذَا أَلقَيته عَنْكَ ونَضَوْتَه؛ قَالَ ابْنُ هَرِمَةَ:
سَرَى ثوْبَه عَنْكَ الصِّبا المُتَخايلُ، ... ووَدَّعَ لِلْبَينِ الخَلِيطُ المُزايِلُ