يَبْلُغُ كنهَه وصْفٌ؛ قَالَ الأَزهري: والقولُ عِنْدِي مَا قَالَهُ أَبو عُبَيْدٍ أَنه العَمَاءُ، ممدودٌ، وَهُوَ السحابُ، وَلَا يُدْرى كَيْفَ ذَلِكَ العَماء بصفةٍ تَحْصُرُه وَلَا نَعْتٍ يحدُّه، ويُقَوِّي هَذَا القولَ قولُه تَعَالَى: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ وَالْمَلائِكَةُ، والغَمام: معروفٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ إِلا أَنَّا لَا ندْري كَيْفَ الغَمامُ الَّذِي يأْتي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يومَ الْقِيَامَةِ فِي ظُلَلٍ مِنْهُ، فَنَحْنُ نُؤْمن بِهِ وَلَا نُكَيِّفُ صِفَتَه، وَكَذَلِكَ سائرُ صِفاتِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ؛ وَقَالَ ابْنُ الأَثير: مَعْنَى قَوْلِهِ فِي عَمًى مقصورٌ ليسَ مَعَه شيءٌ، قَالَ: وَلَا بُدَّ فِي قَوْلِهِ أَين كَانَ رَبُّنَا مِنْ مُضَافٍ مَحْذُوفٍ كَمَا حُذِفَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ، وَنَحْوِهِ، فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ أَين كَانَ عَرْشُ رَبِّنَا، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ. والعَمَايَةُ والعَمَاءَة: السحابَةُ الكثِيفة المُطْبِقَةُ، قَالَ: وَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ الَّذِي هَراقَ ماءَه وَلَمْ يَتَقَطَّع تَقَطُّع الجَفْل «٢» والعربُ تقولُ: أَشدُّ بردِ الشِّتاء شَمالٌ جِرْبِياء فِي غبِّ سَماء تحتَ ظِلِّ عَمَاء. قَالَ: وَيَقُولُونَ للقِطْعة الكَثِيفة عَماءةٌ، قَالَ: وبعضٌ ينكرُ ذَلِكَ ويجعلُ العَمَاءَ اسْماً جَامِعًا. وَفِي حَدِيثِ الصَّوْم:
فإِنْ عُمِّيَ عَلَيكُمْ
؛ هَكَذَا جَاءَ فِي رِوَايَةٍ، قِيلَ: هُوَ مِنَ العَمَاء السَّحابِ الرقِيقِ أَي حالَ دونَه مَا أَعْمى الأَبْصارَ عَنْ رُؤيَتِه. وعَمَى الشيءُ عَمْياً: سالَ. وعَمَى الماءُ يَعْمِي إِذا سالَ، وهَمى يَهْمِي مِثْلُهُ؛ قَالَ الأَزهري: وأَنشد الْمُنْذِرِيُّ فِيمَا أَقرأَني لأَبي الْعَبَّاسِ عَنِ ابْنِ الأَعرابي:
وغَبْراءَ مَعْمِيٍّ بِهَا الآلُ لَمْ يَبِنْ، ... بِهَا مِنْ ثَنَايا المَنْهَلَيْنِ، طَريقُ
قَالَ: عَمَى يَعْمِي إِذا سالَ، يَقُولُ: سالَ عَلَيْهَا الآلُ. وَيُقَالُ: عَمَيْتُ إِلى كَذَا وَكَذَا أَعْمِي عَمَيَاناً وعطِشْت عَطَشاناً إِذا ذَهَبْتَ إِليه لَا تُريدُ غَيْرَهُ، غيرَ أَنَّك تَؤُمُّه عَلَى الإِبْصار والظلْمة، عَمَى يَعْمِي. وعَمَى الموجُ، بِالْفَتْحِ، يَعْمِي عَمْياً إِذا رَمى بالقَذى والزَّبَدِ ودَفَعَه. وَقَالَ اللَّيْثُ: العَمْيُ عَلَى مِثالِ الرَّمْي رفعُ الأَمْواج القَذَى والزَّبَد فِي أَعالِيها؛ وأَنشد:
رَها زَبَداً يَعْمِي بِهِ المَوْجُ طامِيا
وعَمَى البَعِيرُ بلُغامه عَمْياً: هَدَرَ فرمَى بِهِ أَيّاً كَانَ، وَقِيلَ: رَمى بِهِ عَلَى هامَته. وَقَالَ الْمُؤَرِّجُ: رجلٌ عامٍ رامٍ. وعَمَانِي بِكَذَا وَكَذَا: رَمَانِي مِنَ التُّهَمَة، قَالَ: وعَمَى النَّبْتُ يَعْمِي واعْتَمَّ واعْتَمى، ثلاثُ لغاتٍ، واعْتَمَى الشيءَ: اخْتاره، وَالِاسْمُ العِمْيَة. قَالَ أَبو سَعِيدٍ: اعْتَمَيْتُه اعْتِمَاءً أَي قَصَدته، وَقَالَ غَيْرُهُ: اعْتَمَيْتُه اختَرْته، وَهُوَ قَلب الاعْتِيامِ، وَكَذَلِكَ اعتَمْته، وَالْعَرَبُ تَقُولُ: عَمَا واللهِ، وأَمَا واللهِ، وهَمَا وَاللَّهِ، يُبْدِلون مِنَ الْهَمْزَةِ العينَ مرَّة والهاءَ أُخْرى، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: غَمَا وَاللَّهِ، بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ. والعَمْو: الضلالُ، وَالْجَمْعُ أَعْمَاءٌ. وعَمِيَ عَلَيْهِ الأَمْرُ: الْتَبَس؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْباءُ يَوْمَئِذٍ
. والتَّعْمِيَةُ: أَنْ تُعَمِّيَ عَلَى الإِنْسانِ شَيْئًا فتُلَبِّسَه عَلَيْهِ تَلْبِيساً. وَفِي حَدِيثِ الْهِجْرَةِ:
لأُعَمِّيَنَّ عَلَى مَنْ وَرائي
، مِنَ التَّعْمِيَة والإِخْفاء والتَّلْبِيسِ، حَتَّى لَا يَتبعَكُما أَحدٌ. وعَمَّيتُ مَعْنَى الْبَيْتِ تَعْمِية، وَمِنْهُ المُعَمَّى مِنَ الشِّعْر، وقُرئَ: فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ
، بِالتَّشْدِيدِ. أَبو زَيْدٍ: تَرَكْناهُم عُمَّى إِذا أَشْرَفُوا عَلَى الْمَوْتِ. قَالَ الأَزهري: وقرأْت بِخَطِّ أَبي الْهَيْثَمِ فِي قَوْلِ الْفَرَزْدَقِ
(٢). قوله: هو الذي ... إلخ. أعاد الضمير إلى السحاب المنويّ لا إلى السحابة.