تَعَالَى: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقادِرٍ؛ إِنَّمَا جاءَت الْبَاءُ فِي حَيِّز لَمْ لأَنها فِي مَعْنَى مَا وَلَيْسَ، وَدَخَلَتِ الباءُ فِي قَوْلِهِ: أَشْرَكُوا بِاللَّهِ، لأَن مَعْنَى أَشرَكَ بِاللَّهِ قَرَنَ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ غَيْرَهُ، وَفِيهِ إِضْمَارٌ. وَالْبَاءُ للإِلْصاق والقِرانِ، وَمَعْنَى قَوْلِهِمْ: وَكَّلْت بِفُلَانٍ، مَعْنَاهُ قَرَنْتُ بِهِ وَكيلًا. وَقَالَ النَّحْوِيُّونَ: الجالِبُ لِلْبَاءِ فِي بِسْمِ اللَّهِ مَعْنَى الِابْتِدَاءِ، كأَنه قَالَ أَبتدئ بِاسْمِ اللَّهِ. وَرُوِيَ عَنْ
مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنه قَالَ: رأَيته يَشْتَدُّ بَيْنَ الهَدَفَيْن فِي قَمِيصٍ فَإِذَا أَصاب خَصْلةً يَقُولُ أَنا بِهَا أَنا بِهَا
، يَعْنِي إِذا أَصاب الهَدَفَ قَالَ أَنا صاحِبُها ثُمَّ يَرْجِعُ مُسكِّناً قَوْمَهُ حَتَّى يمُرَّ فِي السُّوقِ؛ قَالَ شَمِرٌ: قَوْلُهُ أَنا بِهَا يَقُولُ أَنا صاحِبُها. وَفِي حَدِيثِ
سَلَمَةَ بْنِ صَخْر: أَنه أَتى النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ أَن رَجُلًا ظاهَرَ امرأَتَه ثُمَّ وقَع عَلَيْهَا، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَعَلَّكَ بذَلِك يَا سلَمةُ؟ فَقَالَ: نَعَم أَنا بذَلِكَ
؛ يَقُولُ: لَعَلَّكَ صاحِبُ الأَمْر، وَالْبَاءُ مُتَعَلِّقَةٌ بِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ لَعَلَّكَ المُبْتَلى بِذَلِكَ. وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنه أُتِيَ بامرأَةٍ قَدْ زَنَتْ فَقَالَ: مَنْ بِكِ؟
أَي مَنِ الفاعِلُ بكِ؛ يَقُولُ: مَن صاحِبُك. وَفِي حَدِيثِ الجُمعة:
مَن تَوَضَّأَ للجُمعة فبِها ونِعْمَتْ
أَي فبالرُّخصة أَخَذَ، لأَن السُّنة فِي الْجُمُعَةِ الغُسلُ، فأَضمر تَقْدِيرَهُ ونِعْمَت الخَصْلَةُ هِيَ فحذَف الْمَخْصُوصَ بِالْمَدْحِ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ فبالسُّنْة أَخذَ، والأَوَّل أَوْلى. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ*؛ الْبَاءُ هَاهُنا لِلِالْتِبَاسِ وَالْمُخَالَطَةِ، كَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ أَي مُخْتَلِطَة ومُلْتَبِسة بِهِ، وَمَعْنَاهُ اجْعَلْ تَسْبِيحَ اللهِ مُخْتَلِطاً ومُلْتَبِساً بِحَمْدِهِ، وَقِيلَ: الْبَاءُ لِلتَّعْدِيَةِ كَمَا يُقَالُ اذْهَب بِهِ أَي خُذْه مَعَكَ فِي الذَّهاب كأَنه قَالَ سَبِّحْ رَبَّكَ مَعَ حَمْدِكَ إِيَّاهُ. وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ:
سُبْحَانَ اللَّهِ وبحَمْده
أَي وبحَمْده سَبَّحت، وَقَدْ تَكَرَّرَ ذِكْرُ الْبَاءِ الْمُفْرَدَةِ عَلَى تَقْدِيرِ عَامِلٍ مَحْذُوفٍ، قَالَ شَمِرٌ: وَيُقَالُ لمَّا رَآنِي بالسِّلاح هَرَبَ؛ مَعْنَاهُ لَمَّا رَآنِي أَقْبَلْتُ بِالسِّلَاحِ وَلَمَّا رَآنِي صاحِبَ سِلاح؛ وَقَالَ حُميد:
رَأَتْني بحَبْلَيْها فرَدَّتْ مَخافةً
أَراد: لَمَّا رأَتْني أَقْبَلْتُ بِحَبْلَيْهَا. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ؛ أَدخل الْبَاءَ فِي قَوْلِهِ بإِلْحاد لأَنها حَسُنَت فِي قَوْلِهِ ومَن يُرِدْ بأَن يُلْحِد فِيهِ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللَّهِ؛ قِيلَ: ذهَب بِالْبَاءِ إِلَى الْمَعْنَى لأَن الْمَعْنَى يَرْوى بِهَا عِبادُ اللَّهِ. وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ؛ أَراد، وَاللَّهُ أَعلم، سأَل عَنْ عَذَابٍ وَاقِعٍ، وَقِيلَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَسَتُبْصِرُ «٤» وَيُبْصِرُونَ بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ؛ وَقَالَ الْفَرَّاءُ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً*؛ دَخَلَتِ الْبَاءُ فِي قَوْلِهِ وَكَفى بِاللَّهِ* للمُبالَغة فِي الْمَدْحِ وَالدَّلَالَةِ عَلَى قَصْدِ سَبِيلِهِ، كَمَا قَالُوا: أَظْرِفْ بعَبْدِ اللهِ وأَنْبِلْ بعَبْدِ الرَّحْمَنِ، فأَدخلوا الْبَاءَ عَلَى صاحبِ الظَّرْف والنُّبْلِ للمُبالغة فِي الْمَدْحِ؛ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُمْ: ناهِيكَ بأَخِينا وحَسْبُكَ بصدِيقنا، أَدخلوا الْبَاءَ لِهَذَا الْمَعْنَى، قَالَ: وَلَوْ أَسقطت الْبَاءَ لَقُلْتَ كَفَى اللهُ شَهيداً، قَالَ: وَمَوْضِعُ الْبَاءِ رَفْعٌ فِي قَوْلِهِ كَفى بِاللَّهِ*؛ وَقَالَ أَبو بَكْرٍ: انْتصابُ قَوْلِهِ شَهِيداً* عَلَى الْحَالِ مِنَ اللَّهِ أَو عَلَى الْقَطْعِ، وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ مَنْصُوبًا عَلَى التَّفْسِيرِ، مَعْنَاهُ كَفَى بِاللَّهِ مِنَ الشَّاهِدِينَ فيَجْري فِي بَابِ الْمَنْصُوبَاتِ مَجْرى الدِّرْهَمِ
(٤). قوله وَقِيلَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى فَسَتُبْصِرُ إلخ كتب بهامش الأَصل كذا أي أن المؤلف من عادته إذا وجد خللًا أو نقصاً كتب كذا أو كذا وجدت.