بَابُ: الزَّجْرِ عَنِ الضَّحِكِ
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، قَالَ: قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ لِلْحَوَارِيِّينَ: يَا مِلْحَ الْأَرْضِ لَا تُفْسِدُوا، فَإِنَّ الْأَشْيَاءَ إِذَا فَسَدَتْ إِنَّمَا تُدَاوَى بِالْمِلْحِ، إِنَّ الْمِلْحَ إِذَا فَسَدَ لَمْ يُدَاوَ بِشَيْءٍ، يَا مَعْشَرَ الْحَوَارِيِّينَ، لَا تَأْخُذُوا مِمَّنْ تَعْلَمُونَ أَجْرًا إِلَّا كَمَا أَعْطَيْتُمُونِي، وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ خَصْلَتَيْنِ مِنَ الْجَهْلِ، الضَّحِكُ مِنْ غَيْرِ عَجَبٍ، وَالتَّصَبُّحُ مِنْ غَيْرِ سَهَرٍ.
مَعْنَى قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِلْحَ الْأَرْضِ: يَعْنِي بِهِ الْعُلَمَاءَ، فَإِنَّ الْعُلَمَاءَ هُمُ الَّذِينَ يُصْلِحُونَ الْخَلْقَ، وَيُدِلُّونَهُمْ عَلَى طَرِيقِ الْآخِرَةِ، فَإِذَا تَرَكَ الْعُلَمَاءُ طَرِيقَ الْآخِرَةِ، فَمَنِ الَّذِي يَدُلُّهُمْ عَلَى الطَّرِيقِ؟ ! وَبِمَنْ يَقْتَدِي الْجُهَّالُ.
وَقَوْلُهُ لَا تَأْخُذُوا مِمَّنْ تَعْلَمُونَ أَجْرًا إِلَّا كَمَا أَعْطَيْتُمُونِي.
يَعْنِي أَنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ، فكما أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ يُعَلِّمُونَ الْخَلْقَ بِغَيْرِ أَجْرٍ وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى عَزَّ وَجَلَّ: {قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} الشورى: ٢٣ ، وَأَيْضًا قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى اللَّهِ} يونس: ٧٢ ، فَكَذَلِكَ الْعُلَمَاءُ يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَقْتَدُوا بِالْأَنْبِيَاءِ، وَلَا يَأْخُذُوا عَلَى تَعْلِيمِهِمْ أَجْرًا.
وَأَمَّا قَوْلُهُ الضَّحِكُ مِنْ غَيْرِ عَجَبٍ.
يَعْنِي بِالضَّحِكِ الْقَهْقَهَةَ، وَهُوَ مَكْرُوهٌ.
وَهُوَ مِنْ عَمَلِ السُّفَهَاءِ.
وَأَمَّا التَّصَبُّحُ مِنْ غَيْرِ سَهَرٍ.
يَعْنِي النَّوْمَ فِي أَوَّلَ النَّهَارِ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ سَاهِرًا بِاللَّيْلِ.
فَإِنَّ ذَلِكَ نَوْعٌ مِنَ الْحُمْقِ.