فَدَنَتْ مِنِّي الْمَرْأَةُ وَجَرَى بَيْنَنَا مِنْ حَدِيثِ الدُّنْيَا، فَنَسِيتُ مَا كُنَّا عَلَيْهِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَخَذْنَا فِي حَدِيثِ الدُّنْيَا، ثُمَّ تَذَكَّرْتُ مَا كُنْتُ فِيهِ فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: قَدْ نَافَقْتُ حِينَ تَحَوَّلَ عَنِّي مَا كُنْتُ فِيهِ مِنَ الْخَوْفِ وَالرِّقَّةِ وَالْحُزْنِ، فَخَرَجْتُ فَجَعَلْتُ أُنَادِي نَافَقَ حَنْظَلَةُ.
فَاسْتَقْبَلَنِي أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فَقَالَ: كَلَّا لَمْ تُنَافِقْ يَا حَنْظَلَةُ فَدَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أَقُولُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ، نَافَقَ حَنْظَلَةُ فَقَالَ: كَلَّا لَمْ تُنَافِقْ يَا حَنْظَلَةُ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: كُنَّا عِنْدَكَ، فَوَعَظْتَنَا مَوْعِظَةً، وَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ، وَذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ وَعَرَّفَتْنَا أَنْفُسَنَا، فَرَجَعْتُ إِلَى أَهْلِي، فَأَخَذْنَا فِي حَدِيثِ الدُّنْيَا، وَنَسِيتُ مَا كُنَّا عِنْدَكَ عَلَيْهِ فَقَالَ: «يَا حَنْظَلَةُ إِنَّكُمْ لَوْ كُنْتُمْ عَلَى تِلْكَ الْحَالَةِ لَصَافَحَتْكُمُ الْمَلَائِكَةُ فِي الطَّرِيقِ وَلَزَارَتْكُمْ فِي دُورِكُمْ، وَعَلَى فِرَاشِكُمْ، وَلَكِنْ يَا حَنْظَلَةُ سَاعَةٌ فَسَاعَةٌ» .
٥٩٤ - وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا , أَنَّهَا قَالَتْ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} المؤمنون: ٦٠ الْآيَةَ.
أَهُمُ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ بِالْمَعَاصِي وَيَخَافُونَ؟ قَالَ: «لَا.
وَلَكِنْ هُمُ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ بِالطَّاعَةِ وَيَخَافُونَ أَنْ لَا تُقْبَلَ مِنْهُمْ» .
قَالَ الْفَقِيهُ رَحِمَهُ اللَّهُ: مَنْ عَمِلَ الْحَسَنَةَ يَحْتَاجُ إِلَى خَوْفِ أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ فَمَا ظَنُّكَ بِمَنْ يَعْمَلُ السَّيِّئَةَ؟ أَوَّلُهَا: خَوْفُ الْقَبُولِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} المائدة: ٢٧ ، وَالثَّانِي: خَوْفُ الرِّيَاءِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} البينة: ٥ الْآيَةَ.
وَالثَّالِثُ: خَوْفُ التَّسْلِيمِ وَالْحِفْظِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} الأنعام: ١٦٠ ، فَاشْتَرَطَ الْمَجِيءَ بِهَا إِلَى دَارِ الْآخِرَةِ.
وَالرَّابِعُ: خَوْفُ الْخِذْلَانِ فِي الطَّاعَةِ، لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي أَنَّهُ هَلْ يُوَفَّقُ لَهَا أَمْ لَا لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَمَا تَوْفِيقِي إِلا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} هود: ٨٨