والأرضَ لم تَحْمِل الْأَمَانَة أَي أدَّتْها، وكلُّ من خَانَ الأمانَةَ لقد حَمَلها، وكَذلك كل من أَثِمَ فقد حَمَل الإثْم، وَمِنْه قَول الله جلّ وعزّ: {إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} (العَنكبوت: ١٣) الْآيَة، فَأعْلم الله أنّ من بَاء بالإثْم يُسمى حَامِلا للإثمِ، والسمواتُ والأرضُ أَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَ الأَمَانَةَ وأَدَّيْنَها، وأَدَاؤُها طاعَةُ الله فِيمَا أمرهَا بِهِ والعملُ بِهِ وتركُ الْمعْصِيَة، وحَمَلَهَا الإنسانُ. قَالَ الْحسن أَرَادَ الكافرَ والمنافقَ حَمَلا الأَمَانَةَ أَي خَانَا وَلم يُطِيعَا فَهَذَا الْمَعْنى وَالله أَعْلَمُ صَحِيح وَمن أطَاع من الْأَنْبِيَاء وَالصديقين وَالْمُؤمنِينَ فَلَا يُقَال كَانَ ظَلوماً جهولاً، وتصديقُ ذَلِك مَا يَتْلو هَذَا من قوْله {ظَلُوماً جَهُولاً لِّيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً} (الأحزَاب: ٧٣) إِلَى آخرهَا، قلت وَمَا علمتُ أحدا شرح من تَفْسِير هَذِه الْآيَة مَا شرحَهُ أَبُو إِسْحَاق، وممّا يُؤيدُ قولَه فِي حمل الْأَمَانَة أَنَّ خِيَانَتَها وَترك أَدَائِها قولُ الشَّاعِر أنْشدهُ أَبُو عبيد:
إِذا أَنْتَ لم تَبْرَحْ تؤدّي أَمَانَة
وتحملُ أُخْرَى أَفْرَحَتْك الوَدَائعُ
أَرَادَ بقوله وتحملُ أُخْرَى أَي تخونها فَلَا تُؤديها يدلك على ذَلِك قَوْله أَفْرَحَتْك الودائع، أَي أثقل ظهرَكَ الأماناتُ الَّتِي تخونُها وَلَا تؤديها، يُقَال حَمَلَ فلانٌ الحِقْدَ على فلَان إِذا أَكَنَّه فِي نَفسه واضْطغنه وَيُقَال للرجل إِذا استخفّه الغَضَبُ قد احتُمل وأُقِلَّ وَيُقَال للَّذي تحَلَّم عَمَّن يَسُبُّه قد احْتَمَل فَهُوَ مُحْتَمِل وَقَالَ أَبُو عبيد عَن أَصْحَابه فِي قَول المتنخل الْهُذلِيّ:
كالسُّحُل البيضِ جَلَا لَوْنُها
هَطْلُ نَجَاءُ الحَمَلِ الأسولِ
الحَمَلُ السَّحَاب الْأسود، قَالَ وَقيل فِي الْحمل إِنَّه المَطَرُ للّذي يكون بِنَوْءِ الَحَملِ وسمى الله جلّ وعزّ الإثْم حِمْلاً فَقَالَ {وِزْرَ أُخْرَى وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَىْءٌ وَلَوْ كَانَ} (فَاطِر: ١٨) يَقُول إنْ تَدْعُ نَفْسٌ مُثْلَةٌ بأوزارها ذَا قَرابة لَهَا أَن يَحْمِلَ وِزْرَها شَيْئا لم يَحْمِل من أوزَارها شَيْئا.
ابْن السّكيت عَن الْفراء: يُقَال امْرَأَة حامِلٌ وحامِلَةٌ إِذا كَانَ فِي بَطنهَا ولد وَأنْشد:
تمخَّضَت الْمنون لَهُ بِيَوْم
أَنى وَلكُل حاملة تُمَامُ
فَمن قَالَ حاملٌ بِغَيْر هَاء وَهَذَا نعت لَا يكون إِلَّا للمُؤنَّث وَمن قَالَ حاملةٌ بناه على حَمَلَتْ فَهِيَ حاملةٌ فَإِذا حَمَلَت الْمَرْأَة شَيْئا على ظهرِها أَو على رأْسِها فَهِيَ حاملةٌ لَا غَيْرُ؛ لِأَن هَذَا قد يكون للذَّكر. وحَمَلٌ اسْم رجل بِعَيْنِه وَقَالَ الراجز:
اشْبِهْ أَبَا أُمك أَو أَشْبِه حَمَلْ
وحَمَلٌ اسْم جبل بِعَيْنِه.
سَلمَة عَن الْفراء احْتَمَلَ الرجل إِذا غَضِبَ وَيكون بِمَعْنى حَلُم. وَقَالَ الأصمعيُّ فِي الْغَضَب غضب فلَان حَتَّى احْتَمَل وَيُقَال حَمَل عَلَيْهِ حَمْلَةً منكَرة (وَشد عَلَيْهِ شدَّة مُنكرَة) وَرجل حَمَّالٌ يحمل الكَلَّ عَن النَّاس وَرَأَيْت جبلا فِي الْبَادِيَة اسْمه حَمّال