قَالَ أَبُو حَاتِم: وَاعْلَم أَن حيثُ وحينَ ظرفان، فحينَ ظرفٌ من الزَّمَان، وحيثُ ظرفٌ من المكانِ، وَلكُل واحدٍ مِنْهُمَا حدٌ لَا يجاوزُه. وَالْأَكْثَر من النَّاس جعلوهما مَعًا حَيْثُ، وَالصَّوَاب أَن تَقول: رَأَيْتُك حيثُ كنت، أَي الموضِع الَّذِي كنتَ فِيهِ، واذهب حيثُ شئتَ، أَي إِلَى أيّ مَوضِع شِئْت.
وَقَالَ الله جلّ وَعز: {فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا} (الأعرَاف: ١٩) .
وَيُقَال: رَأَيْتُك حِين خَرَجَ الحاجُّ أَي فِي ذلكَ الْوَقْت، فَهَذَا ظرفٌ من الزمانِ، وَلَا يَجُوزُ حيثُ خرجَ الحاجُّ، وَتقول: ائْتِنِي حينَ يقدم الحاجُّ، وَلَا يجوز حيثُ يقدم الحاجُّ، وَقد صيَّر الناسُ هَذَا كلَّه حيثُ، فليتعهد الرجلُ كلامَه، فَإِذا كَانَ موضعٌ يحسُن فِيهِ أَيْنَ وأيُّ موضعٍ فَهُوَ حيثُ؛ لِأَن أَيْن مَعْنَاهُ حَيْثُ. وَقَوْلهمْ حيثُ كانُوا وَأَيْنَ كَانُوا، مَعْنَاهُمَا وَاحِد، ولكنْ أَجَازُوا الجمعَ بَينهمَا، لاخْتِلَاف اللّفظين.
وَاعْلَم أَنه يحسن فِي مَوضِع حينَ لَمّا وإذْ وإذَا وَوقت وَيَوْم وَسَاعَة ومتَى. تَقول رَأَيْتُك لمّا جئتَ وحينَ جئتَ وإذْ جِئْت، وَيُقَال: سأعطيك إذَا جِئْت وَمَتى جِئْت.
وَقَالَ ابْن كَيْسَانَ حَيْثُ حرف مَبْنِيّ على الضَّم وَمَا بعدَهُ صِلةٌ لَهُ يرْتَفع الِاسْم بعدَه على الِابْتِدَاء، كَقَوْلِك قمتُ حيثُ زيدٌ قائمٌ، والكوفيّون يجيزون حذفَ قائمٌ ويرفعون زيدا بِحَيْثُ، وَهُوَ صِلَةٌ لَهَا، فَإِذا أظهرُوا قَائِما بعد زيد أَجَازُوا فِيهِ الْوَجْهَيْنِ، الرفعَ والنصبَ، فيرفعون الاسمَ أيْضاً وَلَيْسَ بصلَة لَهَا وينصبون خَبره ويرفعونه فَيَقُولُونَ: قَامَت مقَام صِفَتَيْنِ، والمعْنى زيد فِي موضِعٍ فِيهِ عمروٌ، فعمرو مُرْتَفع بِفِيهِ وَهُوَ صلةٌ للموضع، وَزيد مُرْتَفع بفي الأولى وَهِي خبر، وَلَيْسَت بصلَة لشَيْء، قَالَ: وَأهل الْبَصْرَة يَقُولُونَ حَيْثُ مضافةٌ إِلَى جملَة فَلذَلِك لم تخفِضْ، وَقد أنْشد الفرّاء بَيْتا أجَاز فِيهِ الْخَفْض:
أما ترى حيثُ سُهَيْلٍ طالعا
فلمّا أضافَها فتحهَا كَمَا يفعَل بِعنْدَ وخَلْفَ. ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ: يُقَال: تَركتهم حَاثِ باثِ: إِذا تفَرقُوا. قَالَ: وَمثلهمَا من مُزْدَوِج الْكَلَام خَاقِ بَاقِ، وَهُوَ صوتُ حركةِ أبي عُمير فِي زَرْنَب الفَلْهم قَال وخَاشِ مَاشِ قُماشُ الْبَيْت، وخَازِ بَازِ ورَمٌ، وَهُوَ أَيْضا صَوْتُ الذُّبَاب. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي الحاثِيَاء تُرابٌ يُخْرجه اليَرْبُوع من نافِقَائِه بُني على فَاعِلاء.
حثى: وَقَالَ ابنُ الْأَنْبَارِي: الحَثَى قشور التَّمْر بِالْيَاءِ وبالألف، وَهُوَ جمع حَثَاةٍ وَكَذَلِكَ الثتى وَهُوَ جمع ثتَاةٍ قشورُ التَّمْر ورديئه وَقَالَ الْفراء الحثي مَقْصُور دُقاق التبْن وحطامه وَأنْشد:
ويأْكُلُ التمْرَ وَلَا يُلْقِي النَّوَى
كأَنَّه غِرَارَةٌ ملْأَى حَثَى
وَيُقَال للتُّراب الحَثَى أَيْضا وَمن أَمْثَال الْعَرَب يَا لَيْتَني المَحْثِيُّ عَلَيْهِ، قَالَه رجلٌ كَانَ قَاعِدا إِلَى امْرَأَة فَأقبل وَصِيلٌ لَهَا فَلَمَّا رأَتْه حثَتْ فِي وَجهه التُّرَاب تَرْئيَةً لجليسها بِأَن لَا يدنوَ مِنْهَا فيطلعَ على أَمرهمَا. يُقَال ذَلِك عِنْد تَمَنّي منزلةِ من تُخْفَى لَهُ الْكَرَامَة