والواحدة حَوْبَةٌ، وَمِنْه الحديثُ الآخَرُ. إِن رجُلاً أَتَى النَّبيَّ عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ: إِنِّي أَتَيْتُكَ لأُجَاهِدَ مَعَك، قَالَ أَلَك حَوْبةٌ؟ قَالَ: نعم، قَالَ: فَفِيها فَجَاهِدْ.
قَالَ أَبُو عبيد يُرِيد بالحُوْبة مَا يأثَمُ بِهِ إِن ضيَّعَهُ من حُرمَةٍ.
قَالَ وَبَعض أهل الْعلم يتأوّله على الْأُم خَاصَّة، وَهِي كل حُرْمَةٍ تَضِيعُ إِن تَرَكَها مِنْ أُمَ أَوْ أُخْتٍ أَو بِنْتٍ أَو غيرِها.
وَقَالَ أَبُو زيد لي فيهم حَوْبَةٌ إِذا كَانَت قَرابةً من قبَلِ الأُم، وَكَذَلِكَ كل رَحِمٍ مَحْرَمٍ.
وَقَالَ الأصمعيّ يُقَال: بَات فلَان بِحِيبَةِ سَوءٍ إِذا باتَ بِشدّة وَحَال سيّئة.
وَيُقَال فلَان يتحوَّبُ من كَذَا وَكَذَا أَي يتغيَّظ مِنْهُ ويتوجَّع، وَقَالَ طفيلٌ الغَنَوي:
فَذُوقُوا كَمَا ذُقْنَا غَدَاةَ مُحَجَّرٍ
مِنَ الغَيْظِ فِي أكْبَادِنَا والتَّحَوُّبِ
قَالَ أَبُو عبيد: التحوُّب فِي غير هَذَا التأَثُّمُ أَيْضا من الشَّيْء وَهُوَ من الأوَّلِ، وَبَعضه قريب من بعْضٍ.
قَالَ أَبُو عبيد: والحَوْبَاءُ النفْس ممدودةٌ ساكنةُ الْوَاو. والحابُ والحُوب الْإِثْم مثل الجَال والجُول. ويقَال تحوّب فلَان إِذا تعبّد كأَنَّه يُلقي الحُوبَ عَن نَفْسِه، كَمَا يُقَال تأَثَّمَ وتحنَّث إِذا ألْقَى الحنْثَ عَن نَفسه بِالْعبَادَة.
وَقَالَ الْكُمَيْت وَذكر ذئباً سقَاهُ وأطعمه:
وصُبَّ لَهُ شَوْلٌ من المَاء غائر
بِهِ كَفَّ عَنْهُ الحِيبَةَ المُتَحَوبُ
والحيبة مَا تتأَثَّمُ مِنْه. والحُوب الهلاكُ وَقَالَ الهذليّ أَو المهذلية أَظُنهُ لامْرَأَة مِنْهُم:
وكُلُّ حِصْنٍ وَإِنْ طالَتْ سَلَامَتُه
يَوْمًا سيدْخُلُه النَّكْرَاءُ والْحُوبُ
أَي كُلُّ امْرِىءٍ هَالِكٍ وَإِن طَالَتْ سلامَتُه.
أَبُو عبيد يُقَال أَلْحَقَ الله بك الحَوْبَةَ، وَهِي الحاجةُ والمسكنة والفَقْر.
وَقَالَ ابْن شُمَيْلٍ: إليكَ أَرْفَعُ حَوْبَتِي أَي حاجَتِي. والحَوْبَةُ الحاجةُ، وحَوْبَةُ الأُم على الوَلد تَحَوُّبها ورقَّتُها وتوجُّعُها.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: الحَوْبَةُ الهَمُّ وَالْحَاجة وَكَذَلِكَ الحِيْبَةُ، وَقَالَ الهذليّ:
ثُمَّ انْصَرَفْتَ وَلَا أَبُثُّكَ حِيْبَتِي
رَعِشَ العِظَامِ أَطِيشُ مَشْيَ الأصْوَرِ
قَالَ: وَيُقَال: نرفع حَوْبَتَنَا إِلْيكَ أَي حاجتَنَا.
ابْن السّكيت عَن أبي عُبَيْدَة، يُقَال لي فِي فلَان حَوْبَةٌ وبعضُهم يَقُول حِيبَةٌ، وَهِي: الأُمُّ أَو الأُخْتُ أَو البِنْتُ، وَهِي فِي مَوضِع آخر الهَمُّ والحاجَةُ وَأنْشد بيتَ الهذليّ.
وروى شمر بإسنادٍ لَهُ عَن أبي هُرَيْرَة أَن النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (الرِّبَا سَبْعُونَ حَوْباً أيسرها مثل وُقُوع الرجل على أمه وأربى الرِّبَا عِرْض الْمُسلم) . قَالَ شمر: قَوْله (سَبْعُونَ حوباً) كأَنه سَبْعُونَ ضَرْباً من الْإِثْم. يُقَال سَمِعت من هَذَا حَوْبَيْن، ورأيْتُ مِنْه حَوْبَيْنِ. أَي فنَّيْنِ وضَرْبَيْنِ.
وَقَالَ ذُو الرُّمَّة: