وَقَالَ ابْن السّكيت: هرَد القَصَّارُ الثَّوْب، وهرَته: إِذا خرقه، وهرَد فلَان عِرْضَ فلَان، وهرَته، فَهَذَا يدل على الْإِفْسَاد، وَالْقَوْل عندنَا فِي الحَدِيث: مهرودتين بِالدَّال، والذال: أَي بَين ممصَّرتين على مَا جَاءَ فِي الحَدِيث، وَلم نَسْمَعهُ إِلَّا فِي الحَدِيث كَمَا لم نسْمع الصِّيَر الصِّحناة، وَكَذَلِكَ الثُّفّاءَ الحُرْف، وَنَحْوه.
قَالَ: وَالدَّال، والذال أختَان تُبدل إِحْدَاهمَا عَن الْأُخْرَى: يُقَال: رجلٌ مِدْلٌ ومِذْلٌ إِذا كَانَ قَلِيل الْجِسْم خفيّ الشَّخْص، وَكَذَلِكَ الدَّال والذّال فِي قَوْله: مهروذتين.
أَبُو عُبيد، عَن الأصمعيّ: الهِرْدَى: نَبْتٌ، وَقَالَهُ ابْن الأنباريّ، وَهُوَ أُنْثَى.
دهر: قَالَ اللَّيْث: الدَّهر: الأبَدُ الْمَحْدُود، ورجلٌ دُهْرِيٌّ: أَي قديم، ورجلٌ دَهْرِيّ: يَقُول بِبَقَاء الدَّهْر، وَلَا يُؤمن بِالآخِرَة.
ورُوِي عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنّه قَالَ: (لَا تَسُبُّوا الدَّهْر فإِن الله هُوَ الدَّهْر) .
قَالَ أَبُو عُبيد: قَوْله: فإِنّ الله هُوَ الدَّهْر مِمَّا لَا يَنْبَغِي لأحد من أهل الْإِسْلَام أَن يجهل وجهَه، وَذَلِكَ أنّ المعطِّلة بِهِ يحتجّون على الْمُسلمين، قَالَ: ورأيتُ بعضَ من يُتَّهم بالزَّنْدَقة والدَّهْرِيّة يحتجّ بِهَذَا الحَدِيث وَيَقُول: (أَلا ترَاهُ يَقُول: فإنّ الله هُوَ الدَّهْر) ؟ فقلتُ: وَهل كَانَ أحدٌ يسبُّ الله فِي آبادِ الدَّهر؟
قد قَالَ الْأَعْشَى فِي الْجَاهِلِيَّة:
اسْتَأْثر الله بِالْوَفَاءِ وبالحَمْ
دِ وَوَلّى الملَامَةَ الرَّجُلَا
قَالَ: وتأويله عِنْدِي أنّ العَرَب كَانَ شَأْنهَا أَن تَذُمّ الدَّهْرَ وتَسُبَّه عِنْد النَّوَازِل تنزل بهم: من مَوْتٍ أَو هَرَم فَيَقُولُونَ: أصابتْهم قوارِعُ الدهرِ، وأبادَهم الدَّهْرُ، فيجعلون الدَّهر الَّذِي يفعل ذَلِك، فيذمّونه، وَقد ذكرُوا ذَلِك فِي أشعارهم، وأَخبرَ الله عَنْهُم بذلك، ثمَّ كَذَّبهم، فَقَالَ جلّ وعزّ: {تَذَكَّرُونَ وَقَالُواْ مَا هِىَ إِلَاّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَآ إِلَاّ الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَاّ يَظُنُّونَ} (الجَاثيَة: ٢٤) قَالَ الله جلّ وعزّ: {الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَاّ} (الجَاثيَة: ٢٤) .
فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لَا تَسُبُّوا الدّهرَ) على تَأْوِيل: لَا تَسُبُّوا الدَّهْر الَّذِي يفعل بكم هَذِه الأشْياء، فَإِنَّكُم إِذا سببتم فاعلها فَإِنَّمَا يَقع السَّبُّ على الله لِأَنَّهُ الْفَاعِل لَهَا لَا الدهرُ، فَهَذَا وَجه الحَدِيث إِن شَاءَ الله.
قلتُ: وَقد قَالَ الشَّافِعِي فِي تَفْسِير هَذَا الحَدِيث نَحْواً مِمَّا قَالَ أَبُو عُبيد، وَاحْتج بالأبيات الَّتِي ذكرهَا أَبُو عبيد، فَظَنَنْت أَبَا عبيد عَنهُ أَخذ هَذَا التَّفْسِير لأنّه أوّل من فسره.
وَقَالَ شَمر: الزّمان والدَّهْر وَاحِد، واحتجّ بقوله:
إنّ دَهْراً يَلُفُّ حَبْلي بِجُمْل
لَزَمانٌ يَهُمُّ بالإحسانِ
فعارض أَبُو الْهَيْثَم شَمِراً فِي مقَالَته، وَخَطأَهُ فِي قَوْله: الزّمان والدّهر وَاحِد، وَقَالَ: الزمانُ: زَمانُ الرُّطَب، وزمان الْفَاكِهَة، وزمان الحرّ، وزمانُ الْبرد،