أمَّا الفقيرُ الَّذِي كَانَت حَلُوبَتُه
وَفْق العِيالِ فَلم يُترَك لَهُ سَبَدُ
قَالَ المنذرِيُّ: وأخبَرني ابنُ فَهْمٍ عَن مُحَمَّد بن سلاّم عَن يُونُس قَالَ: الْفَقِير يكون لَهُ بعضُ مَا يقيمه. والمسكين: الَّذِي لَا شَيْء لَهُ.
قَالَ: وَقلت لأعرابي مرَّةً: أَفَقِيرٌ أَنت؟ قَالَ: لَا وَالله، بل: مِسْكين.
قَالَ: فالمسكين أَسْوَأ حَالا من الْفَقِير. وَالْفَقِير: الَّذِي لَهُ بُلْغَةٌ من الْعَيْش.
وَقَالَ أَبُو بكر: يرْوى عَن الْأَصْمَعِي أَنه قَالَ: المسكينُ أحسَنُ حَالا من الْفَقِير.
قَالَ: وَكَذَلِكَ قَالَ أَحْمد بن عبيد، قَالَ: وَهُوَ الصَّحِيح عندنَا، لأنَّ الله قَالَ: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِى الْبَحْرِ} (الْكَهْف: ٧٩) ، وَهِي تَسَاوِي جملَة.
قَالَ: وَالَّذِي احتجَّ بِهِ يُونُس أَنه قَالَ لأعرابي: أفقيرٌ أَنْت؟ قَالَ: لَا وَالله بل مِسْكين يجوز أَن يكون أَرَادَ لَا وَالله بل أَنا أحسن حَالا من الْفَقِير.
قَالَ: وَالْبَيْت الَّذِي احْتج بِهِ لَيْسَ فِيهِ حجَّة لِأَن الْمَعْنى كَانَت لهَذَا الْفَقِير حلوبة فِيمَا مضى وَلَيْسَت لَهُ فِي هَذِه الْحَالة حلوبة.
قَالَ: وَالْفَقِير مَعْنَاهُ المفقور الَّذِي نُزِعَت فِقرة من ظَهره فَانْقَطع صُلبه من شدَّةِ الْفقر، فَلَا حَال هِيَ أوْكد من هَذِه. وَأنْشد:
رفع القوادمَ كالفَقِير الأعزلِ
وَأَخْبرنِي المنذريُّ عَن خَالِد بن يزِيد أَنه قَالَ: كأنَّ الفقيرَ إِنَّمَا سُمِّي فَقِيرا لزمانة تصيبُه مَعَ حَاجَة شَدِيدَة تَمنعهُ الزمانة من التصرُّف فِي الْكسْب على نَفسه، فَهَذَا هُوَ الْفَقِير.
وَيقال: أَصَابَته فاقرة، وَهِي الَّتِي فَقَرَت فَقارَه، أَي: خَرَزَ ظهرِه.
وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن أبي الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ أَنه أنْشدهُ للبيد:
لمّا رأى لُبَدُ النُّسُورَ تطايرتْ
رَفَعَ القوادمَ كالفَقير الأعزَلِ
وَقَالَ: الْفَقِير: المكسور الفَقار، يُضرب مثلا لكلِّ ضَعِيف لَا ينفُذُ فِي الْأُمُور، قَالَ: وأقلّ فِقَر الْبَعِير ثَمَانِي عشرَة، وأكثرها إِحْدَى وَعِشْرُونَ، إِلَى ثَلَاث وَعشْرين، وَيُقَال: فِقْرةٌ وثلاثُ فِقَر وفَقارة، وتُجمع فِقَاراً.
وَقَالَ الفرّاء فِي قَوْله: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَآءِ وَالْمَسَاكِينِ} (التَّوْبَة: ٦٠) .
قَالَ: الْفُقَرَاء: هم أهلُ صُفَّة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانُوا لَا عشائرَ لَهُم، فَكَانُوا يَلْتَمِسُونَ الفَضْل بالنَّهار، ويأوْون إِلَى الْمَسْجِد. قَالَ: وَالْمَسَاكِين الطوَّافون على الْأَبْوَاب.
وَأَخْبرنِي عبد الْملك عَن الرّبيع عَن الشَّافِعِي أنّه قَالَ: الْفُقَرَاء: الزَّمْنَى الضِّعاف الَّذين لَا حِرْفة لَهُم، وَأهل