يكون المَاء فِيهِ هَا هُنَا ركيَّتان لقومٍ، فهُمْ عَلَيْهِ؛ وَهَا هُنَا ثَلَاث، وَهَا هُنَا أَكثر، فَيُقَال: فقيرُ بني فلَان، أَي: حِصَّتُهم مِنْهَا، كَقَوْلِه:
تَوزَّعْنا فقيرَ مياهِ أُقْرٍ
لكلِّ بني أبٍ مِنها فقيرُ
فحِصّة بعضِنا خَمسٌ وسِتٌّ
وحصّة بَعْضنَا مِنهنَّ بِيرُ
وَالثَّانِي: أَفْوَاه سُقُف القُنِيّ.
وَأنْشد:
فوَرَدتْ والليلُ لمّا ينجلي
فقيرَ أفواهٍ ركيات القُنِي
وَالثَّالِث: تُحفَر حفرةٌ ثمَّ تُغرَس فِيهَا الفسيلة، فَهِيَ فَقير كَقَوْلِه:
احفِرْ لكلّ نخلةٍ فَقِيرا
وَقَالَ اللَّيْث: يَقُولُونَ فِي النِّضال: أراميكَ مِن أدنى فُقْرة، وَمن أبعَد فُقْرة، أَي: مِن أَبعَد مَعْلم يتعلّمونه مِن حُفْرة أَو من هَدَفٍ أَو نحوِه.
قَالَ: والفُقْرة: حُفْرة فِي الأَرْض، وأرضٌ منْفِقَرة: فِيهَا فُقَر كَثِيرَة.
وحَدثني مُحَمَّد بن إِسْحَاق عَن أبي الْهَيْثَم عَن إِبْرَاهِيم بن مُوسَى عَن ابْن أبي زَائِدَة عَن مُجالد عَن عَامر، فِي قَول الله جلَّ وعزّ: {وَالسَّلَامُ عَلَىَّ يَوْمَ وُلِدْتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً} (مَرْيَم: ٣٣) .
قَالَ: فُقَراتُ ابْن آدم ثَلَاث: يَوْم وُلِد، وَيَوْم يَمُوت، وَيَوْم يُبعث حيّاً؛ هِيَ الَّتِي ذَكَر عِيسَى.
قَالَ مُحَمَّد بن إِسْحَاق: قَال أَبُو الْهَيْثَم: الفُقَرات: هِيَ الْأُمُور الْعِظَام.
كَمَا قيل فِي قتل عُثْمَان: (أَن استَحلُّوا الْفقر الثَّلَاث: حُرْمَة الشَّهْر الْحَرَام، وَحُرْمَة الْبَلَد، وَحُرْمَة الْخَلِيفَة) .
قلت: ورَوَى القُتيبيُّ قَول عَائِشَة فِي عُثْمَان: (المركوبُ مِنْهُ الفِقَر الْأَرْبَع) ، بِكَسْر الْفَاء.
وَقَالَ: الفِقَر: خَرَزات الظّهْر؛ الْوَاحِدَة فِقْرة.
قَالَ: وضربَتْ فَقار الظَّهر مثلا لما ارتُكِب مِنْهُ، لِأَنَّهَا مَوضِع الرّكُوب. وأرادت أنّه رُكب مِنْهُ أَربع حُرَم عِظَام تَجِب لَهُ بهَا الْحُقُوق، فَلم يَرعوْها وانتهكوها، وَهِي حُرمته بِصُحْبَتِهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وصهرِه، وحُرمة الْبَلَد، وَحُرْمَة الْخلَافَة، وَحُرْمَة الشَّهْر الْحَرَام.
قلت: وَالرِّوَايَة الصَّحِيحَة: (الفقَر الثَّلَاث) بِضَم الْفَاء على مَا فسّره ابْن الْأَعرَابِي وَأَبُو الْهَيْثَم، وَيُؤَيّد قولَهما مَا قَالَه الشعبيّ فِي تَفْسِير الْآيَة وَقَوله: (فُقرات ابْن آدم ثَلَاث) .
ورَوَى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي أَنه قَالَ: البعيرُ يقرَم أنفُه، وَتلك القُرْمة يُقَال لَهَا: الفُقْرة، فَإِن لم يَسْكُنْ قُرِم أُخْرَى ثمَّ