وَقَالَ الفرّاء فِي قَوْله: {يَخْتَلِفُونَ ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الَاْمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَآءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} (الجَاثيَة: ١٨) ، قَالَ: على دينٍ ومِلّة ومنهاج، وكلُّ ذَلِك يُقَال. وَقَالَ القتيبيّ: (على شَرِيعَة) : على مِثال ومذْهب، وَمِنْه يُقَال شَرَع فلَان فِي كَذَا وَكَذَا، أَي أخذَ فِيهِ. وَمِنْه مَشارع المَاء، وَهِي الفُرَض الَّتِي تَشرع فِيهَا الْوَارِدَة.
وَقَوله جلّ وعزّ: {عَلِيمٌ شَرَعَ لَكُم مِّنَ الِدِينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
١٧٦٤ - أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا} (الشّورى: ١٣) قَالَ ابْن الأعرابيّ فِيمَا روى عَنهُ أَبُو الْعَبَّاس: شَرَع أَي أظهَرَ.
وَقَالَ فِي قَوْله: {شُرَكَاءُ شَرَعُواْ لَهُمْ مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ} (الشّورى: ٢١) قَالَ: أظهرُوا لَهُم. قَالَ: والشارع: الرَّبَّانيّ، وَهُوَ الْعَالم الْعَامِل المعلِّم. قَالَ: وشرعَ فلانٌ إِذا أظهرَ الحقَّ وقَمَعَ الْبَاطِل.
وَقَالَ ابْن السّكيت: الشَّرْع: مصدر شَرَعتُ الإهابَ، إِذا شققتَ مَا بَين الرِّجلين وسلختَه. قَالَ: وهم فِي الْأَمر شَرَعٌ، أَي سَوَاء.
قلت: فَمَعْنَى شَرَعَ بيَّنَ وأوضَحَ، مَأْخُوذ من شُرِع الإهابُ، إِذا شُقَّ وَلم يُزقَّقْ وَلم يُرجَّلْ. وَهَذِه ضروبٌ من السَّلخ مَعْرُوفَة، أوسعُها وأبيَنها الشَّرْع.
وَقيل فِي قَوْله: {عَلِيمٌ شَرَعَ لَكُم مِّنَ الِدِينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
١٧٦٤ - أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا} (الشّورى: ١٣) إنّ نُوحاً أوّلُ من أَتَى بِتحريم الْبَنَات وَالْأَخَوَات والأمَّهات. وَقَوله جلّ وعزّ: {نُوحاً وَالَّذِى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
١٧٦٤ - أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ} (الشّورى: ١٣) أَي وَشرع لكم مَا أَوْحَينَا إِلَيْك وَمَا وصَّينا بِهِ الْأَنْبِيَاء قبلك. والشِّرعة والشريعة فِي كَلَام الْعَرَب: المَشْرعة الَّتِي يشرعُها النَّاس فيشربون مِنْهَا ويستَقُون، وربَّما شرَّعوها دوابَّهم حَتَّى تشرعَها وتَشربَ مِنْهَا. والعربُ لَا تُسمِّيها شَرِيعَة حتّى يكون المَاء عِدّاً لَا انقطاعَ لَهُ ويكونَ ظَاهرا مَعِيناً لَا يُستَقى مِنْهُ بالرِّشاء. وَإِذا كَانَ من مَاء السَّمَاء والأمطار فَهُوَ الكَرَع، وَقد أكرعوه إبلَهم فكرعتْ فِيهِ، وَقد سقَوها بالكَرَع.
ورُفع إِلَى عليّ ح أمرُ رجلٍ سافرَ مَعَ أصحابٍ لَهُ فَلم يَرجع حِين قَفَلوا إِلَى أَهَالِيهمْ، فاتَّهم أهلُه أصحابَه فرافعوهم إِلَى شُريح، فَسَأَلَ الأولياءَ البيِّنةَ فعجَزوا عَن إِقَامَتهَا وأخبروا عليّاً بِحكم شُريح، فتمثّل بقوله:
أوردَها سعدٌ وسعدٌ مُشتَمِلْ
يَا سعدُ لَا تُروَى بهذاك الإبلْ
ثمَّ قَالَ: (إنّ أهوَنَ السَّقْي التشريع) ثمَّ فرَّق بَينهم وسألهم وَاحِدًا وَاحِدًا فَاعْتَرفُوا بقتْله فقتلَهم بِهِ: أَرَادَ عليٌّ أنّ الَّذِي فعله شُريحٌ كَانَ يَسِيرا هيِّناً، وَكَانَ نَوْلُه أَن يحْتَاط ويمتحِن بأيسر مَا يُحتاط بِهِ فِي الدِّمَاء، كَمَا أنّ أهونَ السَّقْي لِلْإِبِلِ تشريعها الماءَ، وَهُوَ أَن يوردَ ربُّ الْإِبِل إبلَه شَرِيعَة لَا يُحتاج مَعَ ظُهُور مَائِهَا إِلَى نَزْعٍ بالعَلَق من الْبِئْر وَلَا جَبْي فِي الْحَوْض. أَرَادَ أنّ الَّذِي فعله شُريح من طلب البيّنة كَانَ هيّناً، فَأتى الأهوَنَ وتركَ الأحوطَ، كَمَا أَن أَهْون السَّقي التشريع.
وَقَالَ اللَّيْث: شرعت الواردةُ الشَّرِيعَة، إِذا تناولت المَاء بِفيها. والشريعة: المَشْرَعَة.