اللَّهُ فَأُوْلَائِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} (الْمَائِدَة: ٤٤) مَعْنَاهُ أَنّ مَن زَعَم أَنّ حُكْماً من أَحْكَام اللَّهِ الَّذِي أَتَتْ بِهِ الأنبياءُ باطلٌ فَهُوَ كافرٌ.
وَقد أَجَمع الفقهاءُ أَنّ من قالَ: إنّ المُحصَنَيْنِ لَا يجبُ أَن يُرْجَما إِذا زَنَيَا وكانَا حُرَّيْنِ كافرٌ، وَإِنَّمَا كُفِّرَ مَنْ رَدَّ حُكماً من أَحْكَام النبيِّ عَلَيْهِ السَّلَام لِأَنَّهُ مُكذِّبٌ لَهُ.
وَمن كذّبَ النبيَّ عَلَيْهِ السَّلَام فَهُوَ كافرٌ.
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال: إنّه سُمِّيَ الكافرُ كافرّاً لأنَّ الكُفْر غطّى قَلْبَه كلَّه.
قَالَ: والكافرُ من الأَرْض: مَا بَعُدَ عَن النَّاس لَا يكادُ يَنْزِلُه أَحدٌ وَلَا يَمرُّ بِهِ أَحدٌ.
وَأنْشد:
تَبَيَّنَتْ لَمْحَةً من فَزِّ عِكرِشَةٍ
فِي كافرٍ مَا بِهِ أَمْتٌ وَلَا عِوَجُ
شمر عَن ابْن شُمَيْل: الْكَافِر: الْحَائِط الواطىء. وَأنْشد هَذَا الْبَيْت.
(قلت) : وَمعنى قَول اللَّيْث: قيل لَهُ كافرٌ لأنّ الْكفْر غطَّى قلبَه، يحْتَاج إِلَى بيانٍ يَدلُّ عَلَيْهِ، وإيضاحه أنّ الْكفْر فِي اللُّغَة مَعْنَاهُ التَّغْطيةُ، والكافرُ ذُو كفرٍ أَي ذُو تغطيةٍ لِقَلْبِهِ بكفرِه كَمَا يُقَال للابِس السِّلاح: كافرٌ وَهُوَ الَّذِي غطّاه السلاحُ.
وَمثله: رجلٌ كاسٍ: ذُو كسوةٍ، وماءٌ دافقٌ: ذُو دَفْقٍ.
وَفِيه قولٌ آخرُ: وَهُوَ أَحسنُ مِمَّا ذهب إِلَيْهِ اللَّيْث. وَذَلِكَ أَنّ الكافرَ لمّا دَعَاهُ الله جلّ وعزّ إِلَى توحيدِه فقد دَعَاهُ إِلَى نعمةٍ يُنعِم بهَا عَلَيْهِ إِذا قَبِلها، فلمَّا رَدَّ مَا دَعَاهُ إِلَيْهِ من توحيده كَانَ كَافِرًا نعمةَ الله أَي مُغَطِّياً لَهَا بِإبائِه حاجباً لَهَا عَنهُ.
وَأَخْبرنِي المنذريُّ عَن الحرانيّ عَن ابْن السّكيت أَنه قَالَ: إِذا لبس الرجل فَوق دِرْعِه ثوبا فَهُوَ كافرٌ، وَقد كَفَرَ فَوق دِرْعِه.
قَالَ: وكل مَا غَطّى شَيْئا فقد كَفَره.
وَمِنْه قيل لِليْل: كافرٌ لِأَنَّهُ ستَر بظلمته كل شَيْء وغطَّاه.
وَأنْشد لثَعْلَبَة بن صُعَيْرٍ الْمَازِني يصف الظليم والنعامة ورواحهما إِلَى بيضهما عِنْد إياب الشَّمْس فَقَالَ:
فتَذَكَّرَا ثَقَلاً رَثِيداً بَعْدَمَا
ألْقَتْ ذُكَاءُ يَمِينهَا فِي كافرِ
وذُكاءُ: اسمٌ للشمس وَهِي معرفةٌ لَا تُصْرَفُ، أَلْقَت يَمِينهَا فِي كَافِر أَي بَدَأتْ فِي المغيب.
قَالَ: وَمِنْه سُمِّي الكافرُ كَافِرًا لِأَنَّهُ ستَر نعمَ الله.
(قلت) : ونعمُ اللَّهِ جلّ وَعز: آياتُهُ الدَّالةُ على تَوْحيده.
حَدثنَا السَّعْدِي، قَالَ: حَدثنَا الرَّمادِيّ قَالَ: حَدثنَا عبد الرَّزَّاق، قَالَ: أخبرنَا مَعْمَرٌ عَن أَيُّوب عَن ابْن سيِرِينَ عَن