حديداً كَانَ أَو خشباً، واكْتَلْتُ من فلانٍ، واكْتَلْتُ عَلَيْهِ.
وَمِنْه قَول الله: {الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ} (المطففين: ٢) ، أَي: اكْتَالُوا مِنْهُم لأنفُسِهمْ، وكِلْتُ فلَانا طَعَاما، أَي: كِلْتُ لَهُ.
قَالَ الله: {يَسْتَوْفُونَ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ} (المطففين: ٣) أَي كَالُوا لهمْ.
ورُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنَّه قَالَ: المِكْيَالُ: مكيالُ أَهْلِ المدينةِ، وَالْمِيزَان: ميزانُ أهل مكةَ.
قَالَ أَبُو عبيد يُقَال: إنَّ هَذَا الحديثَ أصْلٌ لكلِّ شيءٍ من الكيْلِ والوَزْنِ، إنَّمَا يَأْتَمُّ الناسُ فيهمَا بِأَهْل مَكَّة، وَأهل المدينةِ، وَإِن تغيَّر ذَلِك فِي سَائِر الأمصارِ، ألَا ترَى أَن أصلَ التَّمْر بِالْمَدِينَةِ: كَيْلٌ، وَهُوَ يُوزنُ فِي كثيرٍ من الأمصارِ، وأنَّ السمنَ عِنْدهم: وَزْنٌ، وَهُوَ كَيْلٌ فِي كثيرٍ من الأمصارِ، وَالَّذِي يعرفُ بِهِ أصْلُ الكَيْلِ والوزنِ أنَّ كلَّ مَا لَزِمَهُ اسمُ المَخْتُومِ والقَفِيز، والمكُّوك، والمُدِّ، والصَّاعِ فَهُوَ كَيْلٌ وكلّ مَا لَزِمَهُ اسمُ الأرْطَالِ، والأوَاقيّ والأمْنَاءِ فَهُوَ وَزْنٌ.
(قلت) : فالتَّمْرُ أَصْلُه الْكَيْل، فَلَا يجوزُ أَن يباعَ مِنْهُ رطلٌ برطل، وَلَا وزنٌ بوزنٍ، لأنَّه إِذا رُدَّ بعد الوزنِ أَن الكَيْلِ تفَاضَل وإنَّمَا يُباعُ كَيْلا بكَيْلٍ سَوَاء بسواءٍ، وَكَذَلِكَ مَا كَانَ أصلُه مَوْزُونا فإنَّه لَا يجوزُ أَن يباعَ مِنْهُ كَيْلٌ بكَيْلٍ، لأنَّه إِذا رُدَّ إِلَى الوزنِ لم يُؤْمَنْ فِيهِ التفاضلُ، وَإِنَّمَا احْتِيجَ إِلَى هَذَا الحَدِيث لهَذَا الْمَعْنى، وَلِئَلَّا يتهافت النّاسُ فِي الرِّبَا المنهيّ عَنهُ.
وَفِي حَدِيث آخرَ: أَن رجُلاً أَتَى النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يقاتلُ العَدُوَّ، فَسَأَلَهُ سَيْفا يقاتلُ بِهِ، فَقَالَ لَهُ: فلَعَلّكَ إنْ أعْطَيْتُك أَن تقومَ بِهِ فِي الكَيُّولِ، فَقَالَ: لَا، فأَعطاهُ سَيْفا فجعلَ يقاتِلُ بِهِ وَهُوَ يَقُول:
إنّي امرؤٌ عاهَدَنِي خَلِيلِي
أَنْ لَا أَقُومَ الدّهرَ فِي الكَيُّولِ
أضْرِبْ بِسَيْفِ الله والرَّسُولِ
فَلم يزلْ يقاتلُ بِهِ حَتَّى قُتِلَ.
قَالَ أَبُو عبيد: قولُه فِي الكَيُّولِ: هُوَ مُؤَخَّرُ الصفوفِ، وَلم أسمَعْ هَذَا الحرفَ إِلَّا فِي الحَدِيث.
(قلت) : والكَيُّولُ فِي كَلَام الْعَرَب: فيْعُولٌ من كَالَ الزّنْدُ يكِيلُ كَيْلاً إِذا كبا وَلم يُخْرِجْ نَارا فشُبّهِ مُؤَخَّرُ صُفُوف الحربِ بِهِ، لِأَن مَنْ كَانَ فِيهِ لَا يكَادُ يقاتلُ.
وَقَالَ اللَّيْث: الفَرَسُ يكَايِلُ الفَرَسَ فِي الجري إِذا عارضَه وبَارَاه، كأَنَّهُ يكِيلُ لَهُ من جَرْيهِ مثل مَا يكِيلُ لَهُ الآخَرُ.
(ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي) قَالَ: المُكايلَةُ: أَنْ يتَشَاتمَ رَجُلَان فَيُربِي أحدُهَما على الآخرِ.