َ فِى الْمَهْدِ صَبِيّاً} (مَرْيَم: ٢٩) .
فَقَالَ بَعضهم: كانَ هَاهُنَا صِلة، ومعناهُ: كيفَ نُكلِّمُ مَنْ هُوَ فِي المهْدِ صبيّاً.
قَالَ وَقَالَ الْفراء: كَانَ هَاهُنا شَرْط، وَفِي الْكَلَام تعَجُّبٌ وَمَعْنَاهُ: من يَكُنْ فِي المهْدِ صبيّاً، فكيْفَ يُكلَّمُ؟ .
وأَمَّا قولُ الله جلَّ وعزَّ: {وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً} (النِّسَاء: ٩٦) وَمَا أَشْبَههُ فإنّ أَبَا إسحاقَ الزّجاج قَالَ: اختَلف الناسُ فِي كَانَ.
فَقَالَ الحسنُ البصْرِيُّ: كَانَ اللَّهُ عَفُوّاً غَفُوراً لعبَادِهِ وَعَن عِبَادِه، قبل أَنْ يَخْلُقَهُمْ.
وَقَالَ النحويونَ البصريون: كأنَّ الْقَوْم شاهدُوا من الله رَحمَةً، فأُعْلِمُوا أَن ذَلِك لَيْسَ بحادث، وأَنَّ الله لم يَزْلَ كَذَلِك.
وَقَالَ قومٌ من النَّحْوِيين: كانَ وفَعلَ من الله جلّ وعزّ بمنْزِلَةِ مَا فِي الْحَال فَالْمَعْنى وَالله أعلم وَالله عَفُوٌّ غَفُورٌ.
قَالَ أَبُو إسحاقَ: وَالَّذِي قَالَ الحَسَنُ وَغَيره أَدْخَلَ فِي العربيَّة وأَشْبَه بِكَلَام الْعَرَب، وَأما القولُ الثَّالِث فَمَعْنَاه يؤُولُ إِلَى مَا قَالَه الْحسن وسيبويه، إلَاّ أَن كَون الْمَاضِي بِمَعْنى الْحَال يقلُّ، وصاحبُ هَذَا القَوْل لَهُ من الحُجَّةِ: قولُنَا: غفرَ الله لفلانٍ، بِمَعْنى ليَغْفِرَ الله لَهُ، فلمّا كَانَ فِي الْحَال دليلٌ على الاستقبَالِ، وقَعَ الْمَاضِي مُؤدّياً عَنْهَا اسْتِخْفَافاً لِأَن اخْتِلَافَ ألْفاظ الأفعَالِ إنّما وقعَ لاختلافِ الأوقاتِ.
وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي فِي قَول الله: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} (آل عمرَان: ١١٠) أَي أنْتُمْ خَيْرُ.
قَالَ وَيُقَال: معناهُ: كنْتُم خَيْرَ أُمَّةٍ فِي علم الله.
وَقَالَ اللَّيْث: المكانُ، اشْتِقَاقُه من كَانَ يكون، وَلكنه لما كثُر فِي الْكَلَام صَارَت الْمِيم كَأَنَّهَا أصليّةٌ.
قَالَ: والكانُونُ، إِن جعلْتَه منَ الكِنّ فَهُوَ (فاعُولٌ) ، وَإِن جعلْتَهُ (فَعَلُولاً) على تقديرِ قَرَبُوسٍ فالألف فِيهِ أصليَّةٌ، وَهُوَ من الواوِ. وسُمِّيَ بِهِ مَوْقِدُ النارِ.
وَقد مرَّ تفسيرُ الكانُونِ وَمَا قِيلَ فِيهِ فِي (بَاب كَنَّ يكِنُّ) من مضاعَفِ الْكَاف.
كأنَّ: قَالَ النحويون: (كأَنَّ) أصلُها (أَنَّ) أُدْخِلَ عَلَيْهَا كافُ التَّشْبِيه وَهُوَ حرف تَشْبِيه وَالْعرب تنصبُ بِهِ الاسمَ، وترفَعُ خبرَه، وَقد قَالَ الْكسَائي: تكونُ (كأَنَّ) بِمَعْنى الجحْدِ كَقَوْلِك: كأَنَّكَ أمِيرُنا فتأْمُرَنَا، معناهُ لست أميرنَا.
قَالَ: وكأنَّ أُخرى بِمَعْنى التَمني كَقَوْلِك كأنّك بِي قَدْ قلتُ الشِّعْرَ فأُجِيدَه، معناهُ: لَيْتَنِي قد قلت الشِّعْرَ فأُجِيدَه، وَلذَلِك نُصبَ فأُجِيدَه.
وَقَالَ غَيره: تَجيءُ بِمَعْنى العِلْم والظّنِّ