أَيُّوب قَالَ: حَدثنَا يَعْلى قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد يَعْنِي ابْن عون عَن نَافِع عَن ابْن عمر، قَالَ: اسْتقْبل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَآله الحَجَر فاستلمه، ثمَّ وضَع شَفتيه عَلَيْهِ يبكي طَويلا، فَالْتَفت فَإِذا هُوَ بِعُمَر يبكي فَقَالَ: (يَا عُمَر هَهُنَا تسكب العبرات) .
وَحدثنَا يَعْقُوب الدَّورقي قَالَ: حَدثنَا أَبُو عَاصِم عَن مَعْرُوف بن خَرْبوز قَالَ: حَدثنَا أَبُو الطُّفَيْل قَالَ: (رَأَيْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَآله يطوف على راحلتِه يسْتَلم بمِحْجَنِهِ ويقبِّل المِحْجَن) .
وَقَالَ اللَّيْث: استلام الْحجر: تنَاوله بِالْيَدِ وبالقُبلة، ومسحُه بالكفّ. قلت: وَهَذَا صَحِيح. وَأما قولُ اللَّهِ جلّ وعزّ: {خَبِيرٌ قَالَتِ الَاْعْرَابُءَامَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ وَلَاكِن قُولُو صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
١٧٦٤ - اْ أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الاِْيمَانُ فِى قُلُوبِكُمْ وَإِن تُطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ} (الحجرات: ١٤) ، فإنّ هَذَا يَحتاجُ الناسُ إِلَى تفهّمه ليَعْلَموا أَيْن يَنْفَصِل الْمُؤمن من المُسلِم، وأَيْنَ يَسْتَويَان.
فالإسلامُ: إظهارُ الخُضوع والقَبول لِما أَتَى بِهِ الرسولُ عَلَيْهِ السَّلَام، وَبِه يُحْقَنُ الدّم، فإِن كَانَ مَعَ ذَلِك الإظهارِ اعتقادٌ وتَصديقٌ بِالْقَلْبِ فَذَاك الْإِيمَان الّذي هَذِه صِفَتُه، فأمّا من أَظْهَر قبولَ الشّريعة واستسلَم لدَفْع المَكْروه فَهُوَ فِي الظَّاهِر مُسْلمٌ وباطنُه غيرُ مصدِّق، فَذَلِك الّذي يَقُول: أَسْلَمْتُ، لأنَّ الإيمانَ لَا بدَّ أَن يكون صاحبُه صِدِّيقاً لِأَن الإيمانَ التّصديقُ، فالمُؤمن مُبْطِنٌ من التّصديق مِثْلَ مَا يُظهِر؛ والمُسلِم التامُّ الْإِسْلَام مُظْهِرُ الطَّاعَة مُؤمنٌ بهَا، والمؤمنُ الّذي أَظهَرَ الإِسلام تَعوّذاً غيرَ مُؤمن فِي الْحَقِيقَة، إلاّ أنّ حُكمَه فِي الظَّاهِر حُكْمُ الْمُسلمين. وَإِنَّمَا قُلتُ: إِن المؤمِنَ مَعْنَاهُ المصدِّق لأنّ الْإِيمَان مأخوذٌ من الْأَمَانَة، لأنّ الله جَلّ وعزّ تولَّى عِلمَ السّرائر ونياتِ العَقْد، وجَعَل ذَلِك أَمَانَة ائتَمَنَ كلَّ مُسْلِمٍ على تِلْكَ الْأَمَانَة، فَمن صَدَّق بِقَلْبِه مَا أَظهَرَه لسانُه فقد أَدَّى الْأَمَانَة واستوجَب كريمَ الْمَآبِ إِذا مَاتَ عَلَيْهِ، ومَن كَانَ قلبه على خلاف مَا أظهَر بلسانِه فقد حَمَل وِزْرَ الْخِيَانَة، وَالله حَسِيبه.
وَقيل: المصدِّق مُؤمن، وَقد آمن لأنّه دخل فِي حَدِّ الْأَمَانَة الّتي ائتَمَنه الله عَلَيْهَا.
وَكَذَلِكَ سائرُ الْأَعْمَال الّتي تظهر من العَبْد وَهُوَ مُؤتمَن عَلَيْهَا.
وبالنيّة تَنفصل الْأَعْمَال الزاكية من الْأَعْمَال البائرة أَلا ترَى أنّ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَعَل الصَّلَاة إِيمَانًا، والوضوءَ إِيمَانًا.
وَقَالَ ابنُ بُزرج: كُنتُ رَاعِيَ إبلٍ فَأسلَمْتُ عَنْهَا، أَي: تركتُها، وكلُّ صَنِيعة أَو شيءٍ تركتَه وَقد كنتَ فِيهِ فقد أَسْلَمْتَ عَنهُ.
وَقَالَ اللَّيْث: الاستلام للحَجَر: تَناوُله باليَدِ وبالقُبْلة ومسْحُه بالكفّ.