للضَّمّة، فَاجْتمع فِي الْحَرْف ضَمَّتان بَينهمَا وَاو، والضمّة من جنس الْوَاو، فاسْتَثقلت العربُ جمعا بَين ضَمَّتين وواو، فطرحوا هَمزة الْوَاو لِأَنَّهُ بَقِي بعد طَرْحها حرفان، فَقَالُوا: مُرْ فلَانا بِكَذَا وَكَذَا، وخُذ من فلَان، وكُلْ، وَلم يَقُولُوا: أُكل، وَلَا أُمُرْ، وَلَا أُخُذْ، إِلَّا أَنهم قَالُوا فِي أَمر يَأْمر، إِذا تقدَّم قبل ألف أَمْره وَاو، أَو فَاء، أَو كَلَام يَتّصل بِهِ الأمْر من أَمَر يَأْمر، فَقَالُوا: الْقَ فلَانا وأْمُرْه، فردّوه إِلَى أَصله، وَإِنَّمَا فَعَلوا ذَلِك لِأَن ألف الأَمْر إِذا اتَّصَلت بِكَلَام قبلهَا سَقَطت الْألف فِي اللَّفْظ، وَلم يَفْعَلُوا ذَلِك فِي كُل وخُذ إِذا اتَّصل الْأَمر بهما بكلامٍ قبله، فَقَالُوا: الْق فلَانا وخُذ مِنْهُ كَذَا، وَلم نَسْمع: وأْخُذْ كَمَا سمعنَا وأْمُر، وَقَالَ الله تَعَالَى: {وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا} (الْبَقَرَة: ٣٥) وَلم يَقُل وأْكلا.
قَالَ: فَإِن قيل: لم رَدّوا مُرْ إِلَى أَصلها وَلم يَردّوا وكُلَا وَلَا وخُذا؟
قيل: لِسَعة كَلَام الْعَرَب ربّما ردُّوا الشَّيْء إِلَى أَصله، وَرُبمَا بَنَوه على مَا سَبَق، وَرُبمَا كَتَبُوا الْحَرْف مهموزاً، وربّما كَتبوه على ترك الْهمزَة، وربّما كَتبوه على الْإِدْغَام، وَرُبمَا كَتبوه على ترك الْإِدْغَام، وكل ذَلِك جَائِز واسِع.
وَقَالَ الله تَعَالَى: {وَإِذَآ أَرَدْنَآ أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا} (الْإِسْرَاء: ١٦) الْآيَة.
قَرَأَ أَكثر القُراء: أَمَرْنَا مُتْرَفيها.
وروى خارجةُ، عَن نَافِع آمَرْنا بالمَدّ. وَسَائِر أَصْحَاب نَافِع رَوَوْه مَقْصُوراً.
ورَوى اللَّيث، عَن أبي عَمْرو: أَمرنا بالتَّشديد.
وَسَائِر أَصْحَابه رَوَوه بِالْقصرِ وتَخفيف الْمِيم.
وروى هُدْبة، عَن حمّاد بن سَلمة، عَن ابْن كثير أَمَّرنا.
وسائرُ النَّاس رَوَوه عَنهُ مُخفَّفاً.
وروى سَلمة، عَن الفَراء: من قَرَأَ أَمَرْنا خَفِيفَة، فَسّرها بعضُهم: أمَرْنا مُتْرفيها بِالطَّاعَةِ ففَسقوا فِيهَا، أَي إِن المُترف إِذا أُمر بِالطَّاعَةِ خَالف إِلَى الفِسْق.
قَالَ الْفراء: وَقَرَأَ الْحسن آمَرْنا ورُوي عَنهُ: أَمَرْنا.
قَالَ ورُوي عَنهُ أَنه بِمَعْنى: أَكْثَرنا.
قَالَ: وَلَا نَرى أَنَّهَا حُفظت عَنهُ لأنّا لَا نَعرف مَعْنَاهَا هَا هُنَا، وَمعنى آمَرْنا بِالْمدِّ: أَكْثَرنا.
قَالَ: وَقَرَأَ أَبُو الْعَالِيَة: أمَّرنا مُتْرَفيها وَهُوَ مُوافق لتفسير ابْن عبّاس، وَذَلِكَ أَنه قَالَ: سَلّطنا رُؤساءها ففَسقُوا.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق نَحواً ممّا قَالَ الفَرّاء.
قَالَ: من قَرَأَ: أمَرْنا بِالتَّخْفِيفِ، فَالْمَعْنى: أَمَرناهم بِالطَّاعَةِ ففسقُوا.