ولياليها أطيب اللَّيَالِي، لَا تؤذِي بحَرَ مُفرِط وَلَا قُرَ مؤذٍ. وَمِنْه قَول امْرَأَة من الْعَرَب وصفتْ زَوجهَا فَقَالَ: زَوجي كليلِ تهَامَة، لَا حَرّ وَلَا قُرّ وَلَا مَخَافَة وَلَا سآمة. وَقَول الله جلّ وعزّ: {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالَاْرْضِ} (البَقَرة: ١١٧) أَي خالقهما. وبَديعٌ من أَسمَاء الله وَهُوَ البَديع الأوَّل قبل كل شَيْء. وَيجوز أَن يكون من بَدَعَ الخَلْقَ أَي بدأه. وَيجوز أَن يكون بِمَعْنى مُبْدع.
وَقَالَ الزّجاج: بديع السَّمَاوَات وَالْأَرْض منشئهما على غير حِذَاء وَلَا مِثَال. وكلّ مَن أنشأ مَا لم يسبَق إِلَيْهِ قيل لَهُ: أَبْدَعْتَ. وَلِهَذَا قيل لمن خَالف السّنة: مُبْتَدِع. لِأَنَّهُ أحدث فِي الْإِسْلَام مَا لم يسْبقهُ إِلَيْهِ السَّلَف.
ورُوي عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بإسنادٍ صَحِيح أَنه قَالَ: (إيَّاكم ومُحْدَثَات الْأُمُور، فَإِن كل مُحْدَثة بِدْعة، وكل بِدعَة ضَلَالَة) .
قلت: وَقَول الله تَعَالَى: {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالَاْرْضِ} بِمَعْنى مُبْدعهما؛ إِلَّا أَن (بديع) مِن بَدَع لَا مِن أَبْدَعَ. وَأَبْدَعَ أَكثر فِي الْكَلَام من بَدَعَ وَلَو استُعمل بَدَعَ لم يكن خطأ، فبَدِيع فَعِيل بِمَعْنى فَاعِل مثل قدير بِمَعْنى قَادر. وَهُوَ صفة من صِفَات الله؛ لِأَنَّهُ بَدَأَ الْخلق على مَا أَرَادَ على غير مثالٍ تَقَدّمه.
والبَديع من الحِبال: الَّذِي ابتدىء فَتْله، وَلم يكن حبْلاً فنكِث ثمَّ غُزِلَ وأعيد فتله. وَمِنْه قَول الشماخ:
وأُدْمج دَمْج ذِي شَطَنٍ بَدِيعِ
وَأنْشد الأعرابيّ فِي السّقاء:
نَضْحَ البَدِيعِ الصَفَق المُصَفَّرا
يَعْنِي المزاد الْجَدِيد الَّذِي يسرّب أول مَا يسقَى فِيهِ فَيخرج مَاؤُهُ أصفر، وَهُوَ الصَّفَق.
قلت: والبَديع بِمَعْنى السِّقاء أَو الحبْل فعِيل بِمَعْنى مفعول.
ورَوَى عبد الله بن مَسْعُود عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن رجلا أَتَاهُ فَقَالَ: يَا رَسُول الله إنّي قد أُبْدِعَ بِي فَاحْمِلْنِي.
قَالَ أَبُو عبيد: قَالَ أَبُو عُبَيْدَة يُقَال للرجل إِذا كَلَّتْ رِكَابه أَو عَطِبتْ وَبَقِي مُنْقَطِعًا بِهِ: قد أُبدِع بِهِ.
قَالَ: وَقَالَ الْكسَائي مثله، وَزَاد فِيهِ: أبدَعَتِ الركابُ إِذا كَلَّتْ وعَطِبَتْ.
وَقَالَ بعض الْأَعْرَاب: لَا يكون الإبداع إلاّ بظَلْعٍ، يُقَال أبدَعَتْ بِهِ رَاحِلَته إِذا ظَلَعتْ.
قَالَ أَبُو عبيد: وَلَيْسَ هَذَا باخْتلَاف، وَبَعضه شَبيه ببعضٍ.
وَقَالَ اللحياني: يُقَال أَبْدَعَ فلَان بفلان إِذا قَطَعَ بِهِ وخَذَله وَلم يقم بحاجته وَلم يكن عِنْد ظنّه بِهِ.
وَقَالَ أَبُو سعيد: أُبْدِعَتْ حُجَّة فلَان أَي أُبْطِلَتْ، وَأَبْدَعَتْ حجّته أَي بَطَلَتْ.
وَقَالَ غَيره: أَبْدَعَ بِرُّ فلَان بشكري وأبدَع فَضله وإيجابه بوصفي إِذا شكره على إحسانه إِلَيْهِ، واعترف بِأَن شكره لَا يَفِي بإحسانه.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: بَدِعَ يَبْدَعُ فَهُوَ بَدِيعٌ إِذا سَمِنَ.