ورأيهم.
نون: قَالَ الله جلّ وعزّ: (ن والقلم وَمَا يسطرون} (الْقَلَم: ١) .
قَالَ الْفراء: لَك أَن تُدغم النُّون وتُظهرها، وإظهارها أَعجب إليّ، لأنَّها هِجاء والهِجاء كالموقوف عَلَيْهِ وَإِن اتَّصَل.
وَمن أخفاها بناها على الاتِّصال.
وَقد قَرَأَ القُرَّاء بالوَجْهين جَمِيعًا.
قَالَ أَبُو إِسْحَاق: جَاءَ فِي التَّفْسِير أَن (ن) الحُوت الَّذِي دُحِيت عَلَيْهِ سَبْع أَرَضين.
وَجَاء فِي التَّفْسِير، أَن (ن) : الدَّواة.
وَلم يجىء فِي التَّفْسِير كَمَا فُسرت حُرُوف الهجاء.
قلت: (ن والقلم) لَا يجوز فِيهِ غير الهجاء، أَلا ترى أَن كُتَّاب الْمُصحف كتبوه (ن) ، وَلَو أُرِيد بِهِ: الدواة والحوت، لكُتب: نون.
وَقَالَ ابْن الأنباريّ فِي بَاب إخفاء النّون وإظهارها: النّون، مَجهورة ذَات غُنّة، وَهِي تخفى مَعَ حُرُوف الْفَم خَاصَّة، وَتبين مَعَ حُرُوف الْحلق عَامَّة، وَإِنَّمَا خفيت مَعَ حُرُوف الْفَم لقربها مِنْهَا، وَبَانَتْ مَعَ حُرُوف الْحلق لبُعدها مِنْهَا.
وَكَانَ أَبُو عَمْرو يخفي النُّون عِنْد الْحُرُوف الَّتِي تُقاربها، وَذَلِكَ أَنَّهَا من حُروف الْفَم، كَقَوْلِك: من قَالَ؟ وَمن كَانَ؟ وَمن جَاءَ؟ قَالَ الله تَعَالَى {مَن جَآءَ بِالْحَسَنَةِ} (الْأَنْعَام: ١٦٠) على الْإخْفَاء.
وَأما بَيَانهَا عِنْد حُرُوف الْحلق السّتة، فَإِن هَذِه السِّتَّة تَبَاعَدت من مَخرجها وَلم تكن مِن قَبيلتها وَلَا من حيِّزها، فَلم تخف فِيهَا كَمَا أَنَّهَا لم تُدْغم فِيهَا.
وكما أَن حُرُوف اللِّسَان لَا تُدغم فِي حُرُوف الحَلق لبُعدها مِنْهَا، وَإِنَّمَا أُخْفيت مَعَ حُرُوف الْفَم كَمَا أُدغمت اللَّام وَأَخَوَاتهَا، كَقَوْلِك: من أَجلك، من هُنَا، من خَافَ، من حرم زِينَة الله، من عليّ، من عَلَيْك.
قَالَ: وَمن الْعَرَب من يُجري الْغَيْن وَالْخَاء مجْرى الْقَاف وَالْكَاف فِي إخفاء النُّون مَعَهُمَا.
وَقد حَكَاهُ النَّضر عَن الْخَلِيل.
قَالَ: وَإِلَيْهِ ذهب سِيبويه.
قَالَ الله تَعَالَى: {) تُكَذِّبَانِ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ} (الرحمان: ٤٦) إِن شِئْت أَخفيت، وَإِن شِئْت أَبَنْت.
ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي: النُّونة: الْكَلِمَة مِن الصَّواب.
والنُّونة: النُّقْبة الَّتِي تكون فِي ذَقَن الصّبيّ الصَّغير.
وَفِي حَدِيث عُثْمَان أَنه رأى صَبِيًّا مَلِيحاً فَقَالَ: وسِّموا نُونته، أَي: سَوِّدوها لِئَلَّا تُصيبه العَين.