أَحدهَا: وَهُوَ مَذْهَب الْخَلِيل، أَن تجْعَل مَكَان الْهمزَة الثَّانِيَة همزَة بَين بَين أَعنِي: بَين الْهمزَة وَبَين الْحَرْف الَّذِي مِنْهُ حركتها، فَإِذا كَانَ مضموماً جُعل الْهمزَة بَين الْوَاو والهمزة، فَقَالَ: أَوْلِيَاء أُولَئِكَ.
وَأما أَبُو عَمْرو فَيقْرَأ على مَا ذكرنَا.
وَأما ابْن أبي إِسْحَاق وَجَمَاعَة من الْقُرَّاء فَإِنَّهُم يَجمعون بَين الهمزتين.
وَأما اخْتِلَاف الهمزتين، نَحْو قَوْله تَعَالَى: {السُّفَهَآءُ أَلا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
١٧٦٤ - َ} (الْبَقَرَة: ١٣) فَأكْثر القُراء على تَحْقِيق الهمزتين.
وَأما أَبُو عَمْرو فَإِنَّهُ يحقِّقَ الْهمزَة الثَّانِيَة فِي رِوَايَة سِيبَوَيْهٍ، ويخفّف الأولى فيجعلها بَين الْوَاو والهمزة، فَيَقُول (السُّفَهَاء أَلا) وَيقْرَأ (من السَّمَاء إِن) فيخفّف الثَّانِيَة.
وَأما سِيبَوَيْهٍ والخليل فَيَقُولُونَ (السُّفَهَاء وَلَا) يَجعلون الْهمزَة الثَّانِيَة واواً خَالِصَة؛ وَفِي قَوْله تَعَالَى: {النُّشُورُ أَءَمِنتُمْ مَّن فِى السَّمَآءِ أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الَاْرْضَ فَإِذَا هِىَ تَمُورُ} (الْملك: ١) يَاء خَالِصَة.
فَهَذَا جَمِيع مَا جَاءَ فِي هَذَا الْبَاب.
بَاب مَا جَاءَ عَن الْعَرَب فِي تَحْقِيق الْهَمْز وتليينه وتحويله وحذفه
قَالَ أَبُو زيد الْأنْصَارِيّ: الْهَمْز على ثَلَاثَة أوجه: التَّحْقِيق، وَالتَّخْفِيف، والتحويل.
فالتحقيق مِنْهُ أَن تُعْطِي الْهمزَة حَقّهَا من الإشباع، فإِذا أردْت أَن تعرف إشباع الْهمزَة فَاجْعَلْ (العَين) فِي موضعهَا، كَقَوْلِك من (الخبء) : قد خبأت لَك، بِوَزْن (خبعت) ، وقرأت، بِوَزْن (قرعت) ، فَأَنا أخبع وأقرع، وَأَنا خابىء وقارىء، نَحْو: خابع، وقارع.
فخُذ تَحْقِيق الْهَمْز بِالْعينِ كَمَا وصفت لَك.
قَالَ: وَالتَّخْفِيف من الْهَمْز، إِنَّمَا سمّوه تَخْفِيفًا لِأَنَّهُ لم يُعط حقّه من الْإِعْرَاب والإشباع، وَهُوَ مُشْرب همزاً تصرّف فِي وُجُوه العربيّة بِمَنْزِلَة سَائِر الْحُرُوف الَّتِي تحرّك، كَقَوْلِك: خبأت وقرأت، فَجعل الْهمزَة ألفا سَاكِنة على سُكونها فِي التَّحْقِيق، إِذا كَانَ مَا قبلهَا مَفْتُوحًا.
وَهِي كَسَائِر الْحُرُوف الَّتِي يدخلهَا التحريك، كَقَوْلِك: لم يَخبا الرجل، وَلم يقرا الْقُرْآن، فيكسر الْألف من (يخبا) و (يقرا) ، لسكون مَا بعْدهَا، فكأنك قلت: لم يَخْبِيَّرجُل، وَلم يَقْر يَلْقرآن، وَهُوَ يخبو ويَقرو، فيجعلها واواً مَضْمُومَة فِي الإدراج.
فإِن وقفتها جَعلتهَا ألفا، غيرأنك تهيئها للضَّمة من غير أَن تظهر ضمتها، وَتقول: مَا أخباه وَأَقَرَّاهُ، فتحرّك الْألف بِفَتْح لبقيّة مَا فِيهَا من الْهمزَة، كَمَا وَصفت لَك.