الأَصْل فِيهِ وَمن يَتَطوّع، فأدغمت التَّاء فِي الطَّاء وكل حرف أدغمته فِي حرف نقلته إِلَى لفظ المدغم فِيهِ. وَمن قَرَأَ {على لفظ المضيّ فَمَعْنَاه الِاسْتِقْبَال؛ لِأَن الْكَلَام شَرط وَجَزَاء، فَلفظ الْمَاضِي فِيهِ يَئُول إِلَى معنى الِاسْتِقْبَال، وَهَذَا قَول حُذّاق النحويّين. وَأما قَول الله جلّ وعزّ: {} (الْكَهْف: ٩٧) فَإِن أَصله اسْتَطَاعُوا بِالتَّاءِ، وَلَكِن التَّاء والطاء من مخرج وَاحِد، فحذفت التَّاء ليخفّ اللَّفْظ. وَمن الْعَرَب من يَقُول: استاعوا بِغَيْر طاء، وَلَا يجوز فِي الْقِرَاءَة. وَمِنْهُم من يَقُول: فَمَا أَسطاعوا بِأَلف مَقْطُوعَة، الْمَعْنى: فَمَا أطاعوا فزادوا السِّين قَالَ ذَلِك الْخَلِيل وسيبويه عوضا عَن ذهَاب حَرَكَة الْوَاو؛ لِأَن الأَصْل فِي أطَاع أَطْوَع. وَمن كَانَت هَذِه لغته قَالَ فِي الْمُسْتَقْبل يُسطِع بضمّ الْيَاء.
وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن الْحَرَّانِي عَن ابْن السّكيت قَالَ: يُقَال: مَا أَستطيع وَمَا اسطيع وَمَا أَسْطيع وَمَا أستيع، وَكَانَ حَمْزَة الزيّات يقْرَأ (مِمَّا اسْطَّاعوا) بإدغام الطَّاء وَالْجمع بَين ساكنين.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق الزجّاج: من قَرَأَ بِهَذِهِ الْقِرَاءَة فَهُوَ لاحِنٌ مخطىء. زعم ذَلِك الْخَلِيل يُونُس وسيبويه، وَجَمِيع مَن يَقُول بقَوْلهمْ. وحجَّتهم فِي ذَلِك أَن السِّين سَاكِنة، وَإِذا أدغمت التَّاء فِي الطَّاء صَارَت طاء سَاكِنة، وَلَا يجمع بَين ساكنين. قَالَ: وَمن قَالَ: أطرحُ حَرَكَة التَّاء على السِّين فأقرأ (فَمَا اسَطَّاعوا) فخطأ أَيْضا لِأَن سين استفعل لم تحرّك قطّ.
والمطّوّعة: قوم يتطوَّعون بِالْجِهَادِ، أدغمت التَّاء فِي الطَّاء، كَمَا قُلْنَا فِي قَوْله: {وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا} . وأمّا قَوْله جلّ وعزّ: {فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ} (المَائدة: ٣٠) فَإِن الْفراء قَالَ: مَعْنَاهُ فتابعته نَفسه. وَقَالَ الْمبرد؛ {فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ} فعَّلت من الطَوْع. وَقَالَ أَبُو عبيد: حدّثنا يزِيد عَن وَرْقَاء عَن ابْن أبي نَجيح عَن مُجَاهِد؛ {فطوعت لَهُ نَفسه قَالَ شجَّعته. قَالَ أَبُو عبيد عَن مُجَاهِد: إِنَّهَا أعانته على ذَلِك وأجابته إِلَيْهِ. وَلَا أرى أَصله إلاّ من الطواعية.
قلت: وَالْأَشْبَه عِنْدِي أَن يكون معنى (طوّعت) سمَّحت وسهَّلت لَهُ نفسهُ قتلَ أَخِيه أَي جعلت نَفسه بهواها المُردي قتلَ أَخِيه سهلاً وهوَّنته. وأمَّا على قَول الْفراء والمبرد فانتصاب قَوْله قتل أَخِيه على إفضاء الْفِعْل إِلَيْهِ؛ كَأَنَّهُ قَالَ: فطوعت لَهُ نَفسه أَي انقادت فِي قتل أَخِيه ولقتل أَخِيه فَحذف الْخَافِض وأفضى الفعلُ إِلَيْهِ فنصبه.
وَيُقَال: فلَان طَوْع المكاره إِذا كَانَ مُعْتَادا لَهَا، ملقىً إيّاها. وَقَالَ النَّابِغَة:
فارتاع من صَوت كَلاّب فَبَاتَ لَهُ
طوعُ الشوامت من خوف وَمن صَرَد
ويروى: طوعَ الشوامت. فَمن رفع: أَرَادَ بَات لَهُ مَا أطَاع شامته من الْبرد وَالْخَوْف أَي بَات لَهُ مَا اشْتهى شامته، وَهُوَ طَوْعه، وَمن ذَلِك تَقول: اللَّهم لَا تطيعنّ بِي شامتاً أَي لَا تفعل بِي مَا يشتهيه ويحبّه.