دراسة التوراة والإنجيل بين الحرمة والوجوب
السُّؤَالُ
ـالسلام عليكم ورحمة الله
هل يجوز لي أن أدرس التوراة والإنجيل في إطار دراساتي الدينية وذلك في جامعة فرنسية؟ علما أني أحضر رسالة في الإسلاميات وأحتاج إلى رؤية مقارنة.
وبارك الله فيكم.ـ
الفَتْوَى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا شك أن العامي، ومن ليس من أهل الاختصاص لا يجوز له النظر والقراءة في كتب أهل الكتاب السابقة، وذلك لما تضمنته من التحريف والتبديل، ولأن الله تعالى أغنى المسلمين عن النظر فيها بكتابه العزيز الشامل لكل ما يحتاجونه من أمور الهداية، قال تعالى: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عليه) المائدة:٤٨ .
أما أهل الشأن والاختصاص، ومن لديه القدرة التامة على تمييز الحق من الباطل، ومعرفة الصحيح من الفاسد فلا مانع من أن يدرس كتبهم، وينبغي أن يكون ذلك بنية بيان تحريفها وتبديلها وتناقضها، والدعوة إلى منهج الله القويم.
وعلى ذلك، فإذا كنت تحس من نفسك القدرة على الفهم والاستيعاب ورد الباطل، فلا مانع من أن تدرس هذه المقررات.
ولكننا ننبهك إلى أن تكون حذراً، وخاصة أنك في بلاد الغربة، وفي مؤسسات القوم العلمية، وأمام أساتذتهم ومعلميهم، فلا يُؤْمَن أن تتسرب أفكارهم ومعتقداتهم إلى من ليس حذراً ومحصناً بما يكفي من العلم والإيمان، ولتعتبر نفسك مرابطاً على ثغر من ثغور الإسلام فلا يؤتين الإسلام من قِبَلِك، فإذا درست هذه الكتب أو غيرها من المذاهب الفكرية الفاسدة فلتدرسها بعقلية المسلم الواعي والناقد البصير.
فقد كان الصحابي الجليل حذيفة بن اليمان رضي الله عنه يسأل عن الشر مخافة أن يقع فيه، وليحذر منه الناس، قال رضي الله عنه: كان الناس يسألون رسول الله صلىالله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني. الحديث رواه البخاري.
وقراءة المقررات المنهجية من هذه الكتب والاطلاع على المذاهب المعادية للإسلام لأصحاب الدراسات العليا وأهل الاختصاص في ذلك لا يتناوله النهي الوارد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأخذ من أهل الكتاب، لأن هذا ليس أخذاً منهم، ولا طلبا للهداية والإرشاد فيما عندهم، وخاصة إذا كان ذلك لمقصد شرعي من بيان باطلها إذا قورنت بالوحي الصحيح فلاشك أن باطلها سيتضح.
ومن جهة أخرى، فقد قال بعض أهل العلم: إن قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء" رواه أحمد أن ذلك كان في بداية الأمر، ثم قال صلى الله عليه وسلم: "وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج" رواه البخاري.
والحاصل أن دراسة هذه الكتب لا تجوز، لعوام الناس خشية التشويش على عقولهم لما تضمنته من الشبهات.
وأما أهل الاختصاص، فلا مانع من دراستهم لها، وقد تجب على بعضهم وجوباً كفائياً إذا كان ذلك لمقصد شرعي، وهو الرد عليها وإظهار تحريفها وبطلانها.
ولمزيد من الفائدة والتحصيل نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: ١٤٧٤٢، والفتوى رقم: ٨٠٣٧.
والله أعلم.
تَارِيخُ الْفَتْوَى
١٩ ذو القعدة ١٤٢٣