مدى صحة نبوة بنيامين وكونه مدفونا ببلاد الشام
السُّؤَالُ
ـقال لي بعض الشيعة: إن في جنوب لبنان هناك نبي مدفون وهو بنيمين الأخ الأصغر للنبي يوسف.
فهل هذا صحيح؟ـ
الفَتْوَى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذا السؤال فيه مسألتان:
الأولى: كون بنيامين نبيا. وهذا ليس بثابت على وجه الخصوص لبنيامين دون إخوته، ولم نجد من أهل العلم بالسير والتاريخ من ذكره في الأنبياء من دون إخوته. ولكن من أهل العلم من نص على أن أولاد يعقوب كانوا كلهم أنبياء.
قال ابن عادل في تفسيره: النعمة التامة التي بها حصل امتياز إبراهيم وإسحاق من سائر الناس ليس إلا النبوة؛ فوجب أن يكون المراد بإتمام النعمة هو النبوة، وعلى هذا فيلزم الحكم بأن أولاد يعقوب كلهم كانوا أنبياء؛ كقوله تعالى: (ويتم نعمته عليك وعلى آل يعقوب) فإن قيل: كيف يجوز أن يكونوا أنبياء وقد أقدموا على ما أقدموا عليه في حق يوسف عليه السلام؟ فالجواب: أن ذلك وقع قبل النبوة، والعصمة إنما تثبت في وقت النبوة، لا قبلها. انتهى.
وقال الشيخ الأشقر في كتاب (الرسل والرسالات) : هنا بعض الأنبياء أشار القرآن إلى نبوتهم ولكننا لا نعرف أسماءهم، وهم الأسباط، والأسباط هم أولاد يعقوب، وقد كانوا اثني عشر رجلاً عرّفنا القرآن باسم واحد منهم وهو يوسف، والباقي وعددهم أحد عشر رجلاً لم يعرفنا الله بأسمائهم، ولكنه أخبرنا بأنّه أوحى إليهم، قال تعالى: قُولُواْ آمَنَّا بِاللهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ. {البقرة: ١٣٦} . وقال: أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطَ كَانُواْ هُودًا أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ اللهِ وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ. {البقرة:١٤٠} . اهـ.
وفي الكتاب نفسه في بحث مسألة عصمة الأنبياء من الصغائر، ذكر أمثلة لها ثم قال: هذه أمثلة اكتفينا بذكرها عن غيرها، وإلاّ فقد ورد في القرآن مغاضبة يونس لقومه، وخروجه من قومه من غير إذن من ربه، وما صنعه أولاد يعقوب بأخيهم يوسف في إلقائه في غيابة الجبِّ، ثم أوحى الله إليهم وجعلهم أنبياء. اهـ.
ولكن الراجح الذي عليه المحققون من العلماء أن إخوة يوسف ليسوا بأنبياء، وممن ألف في ذلك السيوطي، فله رسالة (دفع التعسف عن إخوة يوسف) قال في أولها: في إخوة يوسف عليه السلام قولان للعلماء، والذي عليه الأكثرون سلفاً وخلفاً أنهم ليسوا بأنبياء، أما السلف فلم ينقل عن أحد من الصحابة أنهم قالوا بنبوتهم. كذا قال ابن تيمية، ولا أحفظه عن أحد من التابعين، وأما أتباع التابعين فنقل عن ابن زيد أنه قال بنبوتهم. وتابعه على هذا فئة قليلة. وأنكر ذلك أكثر الأتباع فمن بعدهم، وأما الخلف فالمفسرون فرق منهم من قال بقول ابن زيد كالبغوي، ومنهم من بالغ في رده كالقرطبي والإمام فخر الدين وابن كثير. ومنهم من حكى القولين بلا ترجيح كابن الجوزي، ومنهم من لم يتعرض للمسألة ولكن ذكر ما يدل على عدم كونهم أنبياء كتفسيره الأسباط بمن نبئ من بني إسرائيل، والمنزل إليهم بالمنزل إلى أنبيائهم، كأبي الليث السمرقندي والواحدى. ومنهم من لم يذكر شيئاً من ذلك ولكن فسر الأسباط بأولاد يعقوب فحسبه ناس قولاً بنبوتهم، وإنما أريد بهم ذريته لا بنوه لصلبه، كما سيأتي تحرير ذلك، قال القاضي عياض في الشفا: إخوة يوسف لم تثبت نبوتهم. انتهى.
ثم فصل ذلك تفصيلا حسنا نقلا عن شيخ الإسلام ابن تيمية، ونفى نبوتهم من وجوه قوية، ومما ذكر فيه: إن القرآن يدل على أنه لم يأت أهل مصر نبي قبل موسى سوى يوسف لآية غافر، ولو كان من إخوة يوسف نبي لكان قد دعا أهل مصر وظهرت أخبار نبوته، فلما لم يكن ذلك علم أنه لم يكن منهم نبي. انتهى.
وممن قطع بنفي النبوة عن الأسباط: أبو الحسن علي بن أحمد السبتي الأموي، في كتابه (تنزيه الأنبياء عما نسب إليهم حثالة الأغبياء) . وقد سبق لنا ترجيح القول بأن الأسباط ليسوا جميعا أنبياء، في الفتوى رقم: ٤٧٨١٠. فعلم بذلك أن بنيامين لم تثبت نبوته.
ـ وأما المسألة الثانية: فهي مكان قبر بنيامين بغض النظر عن نبوته. فمما ذكر في ذلك ما جاء في كتاب مسالك الأبصار في ممالك الأمصار للعمري عند ذكر مزارات الشام قال: نذكر منها ما حضرنا ذكره في هذا الوقت، مما هو ببلاد الشام، على ما يغلب على الظن صحته، لا كما يزعمه كثير من الناس في نسبة أماكن لا حقيقة لها. والله أعلم.. فمن ذلك قبر بنيامين شقيق يوسف عليه السلام، بقرية ظهر حمار، من البقاع. انتهى.
وقال الحموي في معجم البلدان: ظهر حمار قرية بين نابلس وبيسان، بها قبر بنيامين أخي يوسف الصديق. انتهى.
وقال ابن شداد في كتاب الأعلاق الخطيرة في ذكر أمراء الشام والجزيرة: ظهر الحمار: قرية بها قبر بنيامين. انتهى.
ولكن ذلك لا يمكن القطع بصحته وإن اشتهر، وقد سبق لنا التنبيه في الفتوى رقم: ٢٧١٤٥. على أنه لم يكن معروفاً على وجه الجزم أن قبراً بعينه هو لنبي معين صلوات الله وسلامه عليهم جميعاً، وعامة ما يحكى من ذلك يكون كذباً - في الغالب- كما قال شيخ الإسلام: ليس في الأرض قبر اتفق على أنه قبر نبي غير قبره-يعني قبر نبينا صلى الله عليه وسلم. انتهى.
وأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد أمر بإخفاء قبر النبي دانيال -على القول بنبوته- سدا لذريعة الشرك.
والله أعلم.
تَارِيخُ الْفَتْوَى
٢٨ ذو القعدة ١٤٣٠