الوسطية في الإسلام
السُّؤَالُ
ـماهي الوسطية في الإسلام؟ـ
الفَتْوَى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالوسط هو الخيار والأعلى من الشيء، والوسط من كل شيء أعدله، وأصل هذا أن خير الأشياء أوساطها، وأن الغلو والتقصير مذمومان.
قال الزمخشري: وقيل للخيار وسط؛ لأن الأطراف يتسارع إليها الخلل والأوساط محمية محوَّطة، ومنه قول أبي تمام:
كانت هي الوسط المحمي ما اكتنفت ... بها الحوادث حتى أصبحت طرفًا
قال تعالى: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً البقرة:١٤٣ . أي عدولاً خياراً.
ومنه قوله تعالى: قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ القلم:٢٨ . أي خيرهم وأعدلهم.
هذا؛ والشرع والعقل داعيان إلى التوسط والاعتدال، ففي الحديث: إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا ... رواه البخاري، وفي رواية: القصد القصد تبلغوا.
والتوسط والاعتدال هو الذي يتفق مع الفطرة الإنسانية، فالإنسان خلق ضعيفًا يعتريه الفتور والكسل، وتعرض له الشواغل، ويتقلب بين قوة وضعف، وصحة ومرض، فكان الاعتدال هو المناسب له المتفق مع حاله، وإن أحس من نفسه همة عالية وقوة فجنح إلى التشدد فمرده إلى الضعف وانقطاع المسير.
وهذه الأمة المسلمة أمة وسطية بكل معاني الوسط:
وسط في النبوة والرسالة، فلا هي غلت في نبيها كما غلت النصارى في نبيهم، ولا هي أساءت إليهم وآذتهم وقتلتهم كما فعلت يهود.
وهي وسط في الشريعة والأحكام، كما يقوله الإمام الشاطبي: الشريعة جارية في التكليف بمقتضاها على الطريق الوسط الأعدل الآخذ من الطرفين بقسط لا ميل فيه، الداخل تحت كسب العبد من غير مشقة عليه ولا انحلال، بل هو تكليف جارٍ على موازنة تقتضي في جميع المكلفين غاية الاعتدال.
وبالجملة فهذه الأمة المسلمة وسط في الأمم بجموعها لا بجميعها، وأهل السنة والجماعة وسط في الأمة بين فرقها ونحلها المتنازعة في مسائل الدين كلها.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: وهذه الفرقة الناجية أهل السنة هم وسط في النحل كما أن ملة الإسلام وسط في الملل.
وقال أيضًا: وكذلك في سائر أبواب السنة هم وسط؛ لأنهم متمسكون بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وما اتفق عليه السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان. مجموع الفتاوى ٣/٣٧٥.
والله أعلم.
تَارِيخُ الْفَتْوَى
١٦ صفر ١٤٢٠