المراد بعصمة أهل البيت
السُّؤَالُ
ـبسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين
سؤالي هوهل صحيح أن عمر بن الخطاب هو الذي حرم زواج المتعة؟
يقول بعض الناس إن آل البيت معصومون من الخطأ ويستدلون على ذلك بقوله عز وجل: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) . ما قول فضيلة الشيخ؟ـ
الفَتْوَى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالنبي صلى الله عليه وسلم هو الذي حرم نكاح المتعة، وليس عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقد سبق تفصيل هذا في الفتوى رقم: ٤٨٥.
وأما قول من قالوا: إن أهل البيت معصومون، ويستدلون بقول الله تعالى: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) الأحزاب:٣٣ .
فقد أجاب عنه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في كتابه منهاج السنة النبوية فقال: وتحقيق ذلك في مقامين أحدهما: أن قوله: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) ، كقوله: (ما يريد الله ليجعل عليكم في الدين من حرج) ، وكقوله: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) ، وكقوله: (يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً) النساء: ٢٦-٢٧ .
فإن إرادة الله في هذه الآيات متضمنة لمحبة الله لذلك المراد، ورضاه به، وأنه شرعه للمؤمنين وأمرهم به، وليس في ذلك أنه خلق هذا المراد، ولا أنه قضاه وقدره، ولا أنه يكون لا محالة.
والدليل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم بعد نزول هذه الآية قال: "اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً" فطلب من الله لهم إذهاب الرجس والتطهير، فلو كانت الآية تتضمن إخبار الله بأنه قد أذهب عنهم الرجس وطهرهم لم يحتج إلى الطلب والدعاء، وهذا على قول القدرية أظهر، فإن إرادة الله عندهم لا تتضمن وجود المراد، بل قد يريد ما لا يكون ويكون ما لا يريد، فليس في كونه تعالى مريداً لذلك ما يدل على وقوعه.
وهذا وأمثاله قدرية، فكيف يحتجون بقوله: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) الأحزاب:٣٣ على وقوع المراد، وعندهم أن الله قد أراد إيمان من على وجه الأرض، فلم يقع مراده؟
وأما على قول أهل الإثبات، فالتحقيق في ذلك أن الإرادة في كتاب الله نوعان:
إرادة شرعية دينية تتضمن محبته ورضاه.
ورادة كونية قدرية تتضمن خلقه وتقديره.
الأولى: مثل هؤلاء الآيات، والثانية: مثل قوله تعالى: (فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ) الأنعام:١٢٥ .
وقول نوح: (وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) هود:٣٤ . والله قد أخبر أنه يريد أن يتوب على المؤمنين وأن يطهرهم، وفيهم من تاب وفيهم من لم يتب، وفيهم من تطهر وفيهم من لم يتطهر، وإذا كانت الآية دالة على وقوع ما أراده من التطهير وإذهاب الرجس لم يلزم بمجرد الآية ثبوت ما ادعاه ...
ثم نقول في المقام الثاني: هب أن القرآن دل على طهارتهم، وإذهاب الرجس عنهم، كما أن الدعاء المستجاب لابد أن يتحقق معه طهارة المدعو لهم، وإذهاب الرجس عنهم، لكن ليس في ذلك ما يدل على العصمة من الخطأ.
والله أعلم.
تَارِيخُ الْفَتْوَى
٠٧ شوال ١٤٢٢