كلمة لوط لها حقيقة عرفية ودلالة لغوية
السُّؤَالُ
ـرسالة إلى علماء الأمة الإسلامية
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين
أما بعد: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالا يرفع الله بها درجات وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله تعالى لا يلقي لها بالا يهوي بها في جهنم. رواه البخاري، علماءنا الأفاضل: تعرض نبينا محمد (صلى الله عليه وسلم) في أزمنة ماضية وفي هذا الزمان إلى إساءات من أفواه وأقلام أناس تجهل قدر هذا النبي وفضله وبغض النظر عن جهلها فهي من أعداء الإسلام وأعداء نبي الإسلام وهي لن تدخر جهدا في كل زمان ومكان من أن تسيء وتؤذي المسلمين ونبي المسلمين بأقلامها وأفواهها وأيديها وأرجلها وبكل ما تملك من قوة حتى تجد من يردعها عن فعل ذلك، ونتيجة لذلك يستنفر علماء الأمة طاقاتهم ويبدؤون بعقد المؤتمرات والندوات للتعريف بنبي هذه الأمة ولطلب الاعتذار ممن أساء إلى نبينا الكريم محمد (صلى الله عليه وسلم) وهذا والله شيء جميل أن يجد نبينا محمد (صلى الله عليه وسلم) من يدافع عنه ويطلب له الاعتذار رغم أنه (صلى الله عليه وسلم) غني عن هذا لأن الله تعالى يدافع عنه فقد قال تعالى (إن الله يدافع عن الذين آمنوا) وقال تعالى: (إنا كفيناك المستهزئين) علماءنا الأفاضل: لقد أساء أعداء هذه الأمة إلى نبي هذه الأمة ووجد نبي هذه الأمة من يدافع عنه لكن من يدافع عن نبي من أنبياء الله تعرض للإساءة على ألسنة الكثيرين من علماء هذه الأمة وعامتهم نعم لقد تعرض نبي من أنبياء الله للإساءة على ألسنة الكثيرين منكم بكلمة ترددونها على ألسنتكم منذ زمن بعيد ولا تكلفون أنفسكم بالوقوف عليها وتدبر معناها رغم أنكم لم تتركوا بابا من أبواب العلم إلا وولجتم فيه ولا بابا من أبواب الكلام إلا ودخلتم فيه إلا هذه الكلمة التي تمرون عليها مرور الكرام.
كلمة جرت على ألسنة الكثير من علماء هذه الأمة وأساتذتها وقلدهم العامة في ذلك وكم تمنيت لو أن أحدا من العلماء ظهر على إحدى الفضائيات وقف على هذه الكلمة وشرح معناها ونهى عن التلفظ بها لكن على العكس من ذلك رأيت العلماء والأساتذة يرددونها على ألسنتهم ليسمعها الناس ويقولون مثل قولهم وسأضرب مثلا على هذه الكلمة.
١- من بعض أسماء أمتنا (أمة محمد) لأننا اتبعنا ما أنزل على نبينا محمد (صلى الله عليه وسلم) وانتهينا عن ما نها عنه فهل يصح أن نسمي من خالف شرع هذا النبي بالمحمدي أو نسمي الجماعة التي تخالف شرعة بالمحمديين، هذا لا يصح
٢- لقد نهى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عن شرب الخمر فهل يصح أن نسمي من يشرب الخمر بالمحمدي أو المحمديين. لا يصح أيضا
٣- لو أن أحد العلماء ظهر على إحدى الفضائيات وتحدث عن مضار التدخين ونهى الناس عنه وكان اسمه أحمد مثلا فهل يصح أن نسمي من لم يتبع نصحه بالأحمدي أو الأحمديين. كذلك لا يصح، ياعلماء الأمة لقد نهى لوط عليه السلام قومه عن فعل المنكرات وعن إتيان الرجال شهوة من دون النساء فكيف تنسبون إليه عملا لم يعمله ولم يأمر به بل نهى عنه، كيف تسمون من يأتي الرجال شهوة من دون النساء باللوطي أو اللوطيين، فهل ورد في القرآن الكريم ذكر هذه الكلمة التي تدل على قبح فعلها، فهل وردت هذه الكلمات على لسان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ، هل وردت هذه الكلمات على لسان أحد من الصحابة أو التابعين لا والله لم ترد في كل ما ذكرت، إن جرت على ألسنتكم وأنتم لا تشعرون فعليكم الآن بمراجعة معناها والكف عن النطق بها والاعتذار إلى نبي الله لوط عليه السلام، ياعلماء الأمة هذه رسالتي لكم أرجو أن تتدارسوها وأن تفكروا في معناها ولا تعودوا للإساءة إلى نبي الله لوط عليه السلام، ما المانع أن نقول عمل قوم لوط بدلا من هذه الكلمات (لوطي أو لوطيين) التي تسيء إلى نبي الله لوط عليه السلام.
عودوا إلى الله أيها العلماء وكفوا عن النطق بهذه الكلمات وانصحوا الأمة بالكف عن ذكرها، وفي الختام قال تعالى (فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله) صدق الله العظيم؟ـ
الفَتْوَى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقبل الجواب عما سألت عنه، نريد أولاً أن ننبهك إلى أن كتابة (ص) على هذا النحو لا تجزئ عن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم المأمور بها عند ذكر اسمه.
وفيما يتعلق بموضوع سؤالك فنشكرك على هذه الغيرة للدين ولأنبياء الله المرسلين، ولكننا ننبهك إلى أن المسألة التي كتبت فيها وتصورتها خطأ كبيراً من جميع الأمة، هي -في الحقيقة- ليست كذلك، ذلك أن كلمة اللواط -بغض النظر عن أصل اشتقاقها- صارت كلمة من اللغة لها دلالة معروفة، فهي حقيقة عرفية في فعل معين، وقد تعارف الناس على ذلك جيلا عن جيل، قبل الإسلام وبعده، ووردت في معاجم اللغة، يقول ابن منظور في لسان العرب: ... ولاط الرجل لواطا ولاوط أي عمل عمل قوم لوط. قال الليث: لوط كان نبيا بعثه الله إلى قومه فكذبوه وأحدثوا فاشتق الناس من اسمه فعلا لمن فعل فعل قومه..
واللوطي نسبة إلى قوم لوط، وهذا اللفظ مركب تركيباً إضافيا، وقد قسم علماء اللغة والنحو المنسوب إليه في المركب تركيباً إضافياً إلى أقسام: وذكروا منها أن الأول من المتضايفين إذا كان لا يتعرف إلا بالثاني منهما عدل عن النسبة إليه أي الأول ونسب إلى الثاني يقول ابن مالك في ألفيته في باب النسب:
ياء كيا الكرسي زادوا للنسب * وكل ما تليه كسره وجب
إلى قوله: وانسب لصدر جملة وصدر ما * ركب مزجا ولثان تمما
إضافة مبدوءة بابن أو أب * أو ماله التعريف بالثاني وجب
ثم ما ذكرته من أن الكلمة لم ترد على لسان النبي صلى الله عليه وسلم ولا على ألسنة الصحابة أو التابعين هو ليس كذلك، فالمعروف أن الكلمة كانت معروفة قبل الإسلام، ولو لم تكن مقبولة في الشرع لما أقر عليها النبي صلى الله عليه وسلم، لأنه لا يقر على باطل، ولم يوجد حديث ينسب إليه أنه قد نهى عن استعمال هذه الكلمة، مع أنها وردت على ألسنة أصحابه، وفي ذلك رد على قولك إنها لم ترد على ألسنة أحد من الصحابة أو التابعين، بل وفوق ذلك فإنها قد وردت في حديثه الشريف كما هي واردة في أحاديث أصحابه في روايات صحيحة وحسنة، ففي مسند الإمام أحمد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: هي اللوطية الصغرى يعني الرجل يأتي امرأته في دبرها. قال شعيب الأرناؤوط: إسناده حسن واختلف في رفعه ووقفه والموقوف أصح.
وجاء في سنن أبي داود عن سعيد بن جبير ومجاهد عن بن عباس: في البكر يؤخذ على اللوطية. قال: يرجم. قال أبو داود: حديث عاصم يضعف حديث عمرو بن أبي عمرو. قال الشيخ الألباني: صحيح الإسناد موقوف.
وروى الإمام أحمد في المسند من حديث ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ملعون من سب أباه، ملعون من سب أمه، ملعون من ذبح لغير الله، ملعون من غير تخوم الأرض، ملعون من كمه أعمى عن الطريق، ملعون من وقع على بهيمة، ملعون من عمل عمل قوم لوط، قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم مراراً ثلاثاً في اللوطية. قال شعيب الأرناؤوط: إسناده حسن.
كما ننبه أيضاً إلى أن علاقة لوط بهذا الأمر هي علاقة الناهي عنه والمنكر له، قال الله تعالى: وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ* أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاء بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ* فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ {النمل:٥٤-٥٥-٥٦} ، فالنسبة إليه نسبة تشريف وتبليغ لرسالة ربه، وراجع في ذلك الفتوى رقم: ٤٦٤٠.
ولا شك أن هذا القدر كاف لرفع الخطأ عن الناطق بهذه الكلمة.
والله أعلم.
تَارِيخُ الْفَتْوَى
٢٩ ربيع الأول ١٤٢٨