هل يسعد المؤمن في الجنة ولو تعذبت أسرته في النار
السُّؤَالُ
ـأحد الأسئلة التى وجهت من غير المسلمين كنوع من التحدى: كيف سيسعد الإنسان ويفرح فى الجنة إذا كان أهله كزوجته أو وأولاده أو والديه غير المسلمين فى النار؟ فهم لن يدخلوا الجنة لكفرهم وإلحادهم.
وأجبت بما أظنه كان وافيا، لكن أطمع فى ما عندكم مما علمكم الله فأفتونا.ـ
الفَتْوَى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيقول الله تعالى: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْأِسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ {آل عمران:١٩} .
ويقول سبحانه: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}
آل عمران:٨٥} .
ويقول سبحانه: الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ {المائدة: من الآية٣} .
ويقول عزوجل: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْأِسْلامِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ {الصف:٧} .
فالإسلام هو الدين الذي لا يقبل الله من العباد غيره بعد بعثة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم للناس كافة، وكل شرائعه حسنة فيها العدل والخير والرحمة، ومن العدل محاسبة كل إنسان على أفعاله وحده.
كما قال تعالى: قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبّاً وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ {الأنعام:١٦٤} .
وكما قال تعالى: مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً {الإسراء:١٥} .
وكما قال سبحانه: إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ {الزمر:٧} .
والله عزوجل لا يعذب أحدا إلا بعد قيام الحجة عليه، كما قال تعالى: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً {الإسراء: ١٥} .
وقال سبحانه: ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ {الأنعام:١٣١} .
فمن بلغته الحجة وسمع بالإسلام ولم يسلم فقد ظلم نفسه ظلما كبيرا لا يغفره الله إلا بالتوبة والإسلام، فإذا مات على ذلك استحق الخلود في نار جهنم، فإن كان أبا كافرا وله زوجة مؤمنة وأولاد فلن يجمع الله بينهم أبدا والعكس، إذ ليس من العدل الجمع بين من آمن وأطاع، وبين من كفر وعاند، وإذا دخل الأولاد الجنة وكان أبوهم أو أمهم من الكفار، فإنهم لن يحزنوا ولن يتنكد عيشهم كما يقول هؤلاء، لأن الجنة هي دار السرور ومن يدخلها يذهب عنه الحزن، كما قال أهل الجنة فيما ذكره رب العزة سبحانه: وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ * الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ {فاطر:٣٤-٣٥} .
وأحوال الناس في الآخرة لا تقاس على أحوالهم الدنيا، ففي الدنيا يتألم المسلم إذا رأى أمه أو أباه يرفضون الإسلام لعلمه بعاقبتهم عند الله، ولكنه يسلم لأمر الله ولا يضره هذا في الآخرة ولا يحزنه إذا دخل الجنة، فالحزن والهم من النقص، والجنة دار الكمال لا نقص فيها.
ثم ينبغي أن تناقش مع هؤلاء أصل الأمر وهو الإسلام وأدلة صدقه، ونبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فإذا ثبتت هذه الأصول فما بعدها أيسر، وإذا لم يؤمنوا بها فلا يضرنا هذا، فعندنا بصيرة من ديننا وبينّة من أمرنا يقول الحق سبحانه وتعالى في بيان شافٍ وفي آيات متواليةٍ توضح لنا هذه الحقيقة: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظَّالِمِينَ {يونس:١٠٤-١٠٦} .
وراجع الفتوى رقم: ٧٦٤٦، ففيها بيان أن جمع الشمل بين الآباء والأبناء في الجنة من تمام النعيم.
والله أعلم.
تَارِيخُ الْفَتْوَى
٢٩ رمضان ١٤٣٠