النساء العابدات والحور العين
السُّؤَالُ
ـجزاكم الله خيرا على ما تبذلونه من مجهود كبير، أرجو منكم الرد على سؤالي الذي أتعبني التفكير فيه
لقد جاءني أخي بشريط عنوانه وصف الجنة وهو لشيخ سلفي معروف جدا عندنا، وفوجئت بأن الشريط يتناول فقط مسألة الحور العين وهذا لا يهمني كفتاة ولكنني قلت سأستمع له وطبعا كالعادة تكلم الشيخ في البداية عن المرأة في الدنيا وكيف أنها قذرة فهي إن لم تستحم تتعفن ويمتليء شعرها بالقمل وهي تحيض وينزل منها تلك القذارة كذلك فهي تقضي حاجتها فهي بشكل عام شيء قذر، بصراحة توقفت عند هذا الحد فكثيرا ما أسمع هذا الكلام من شيوخ آخرين، وبصراحة هو يحزنني فهم يريدون الشاب أن يكره المتبرجة فيجعلوننا جميعا قذرات رغم أن ما يحدث لنا كتبه الله علينا وليس بأيدينا إلى جانب ذلك فهو لا يقول مثلا اتركوا المتبرجة واختاروا الصالحة فهي في الجنة ستكون أجمل من الحور العين لعملها، ولكنه يقول هذا بشكل عام، المهم أني لم أكمل الشريط ولكن أعطيته لأخي وبعدها بفترة أعطيته لأمي وفوجئت بأنها مصدومة ليس للكلام السابق وإنما لكلام أخر فهو في بقية الشريط لم يصف الحور العين بذلك الوصف المعروف فقط وهو جمالها العام وإنما بدا يصف جسدها (حجم ثديها كبير مثلا) ثم بدأ يستطرد فيصف اللقاء الذي بينه وبينها ويتخيل إحساسه وهو يحتضنها وهو يقبلها وكيف تكون اللذة ويضيف مؤثرات صوتية أثناء ذلك مثل يا ولد كل هذا والحضور أغلبه من الشباب غير المتزوج، فهل يصح الوصف بهذه الطريقة وهل يصح التفكير في الجنة بهذه الطريقة الشهوانية وهل يصح أن يسمي أحدهم نفسه في المنتديات مثلا عاشق الحور
أرجوكم أجيبوني بسرعة فأنا حائرة وأحيانا أقول إذا كانت المراة مجرد شيء قذر لم يخلق إلا لمتعة الرجل أو ليقرف منه فلماذا خلقنا الله الله العظيم الرحيم، لا يمكن أن يخلقنا لهذا، فأنا لم أترب على هذا، لقد علمتني أمي أنني خلقت لأمر عظيم وأنني جزء من هذا الكون الكبير له قيمة أغلى من هذا، وقد رأيت بعدها الشيخ عائض القرني في حديث له يقول إن المراة ملاك ويوصي الرجال عليها، وهذا شيخ وذاك شيخ فكيف أوفق بين الاثنين.
آسفة للإطالة؟
وجزاكم الله خيرا.ـ
الفَتْوَى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن بعض المشائخ حرصا منهم على استعطاف الشباب وترغيبهم في الآخرة وتزهيدهم في التعلق بشهوات الدنيا قد يبالغ أحدهم أحيانا في بعض الأمور، ومهما يكن من إحساننا الظن ببعض هؤلاء أنهم لا يريدون إلا الخير، ومهما يكن في كلامه من المبالغة ومن الصواب والخطأ، فلتعلم المسلمة العابدة أنها خلقت لعبادة الله تعالى، وليكن أهم الأهداف في حياتها أن يرضى الله عنها، وبرضاه عنها تصلح حالها في الدارين، ولتستشعر أن الله تعالى قد كرمها في الدنيا فجعلها مهيأة للطاعات، وقد فرض على ذويها من الرجال القيام بها والإنفاق عليها ورعايتها بنتا وزوجة، وأما، وأوجب على الأبناء بر الأمهات أكثر مما أوجب عليهم من بر آبائهم، ثم إنها في الآخرة ستكون أفضل من الحور العين نظرا لما قامت به المسلمة العابدة في الدنيا من الأعمال الصالحة كما قدمناه في الفتوى رقم: ٣٣٤٠٤، فلتهتم المسلمة بما خلقت له، وسيحقق الله لها من الطموحات في الآخرة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وراجعي الفتوى رقم: ٥٨٠٨٠، والفتوى رقم: ٧٥٦٤٧.
وأما وصف جمال الحور العين فليس فيه ما يعاب، وإن كان الأولى الاقتصار على ما جاء في نصوص الوحي، وقد ذكر بعض العلماء السابقين صفات الحور العين منهم العلامة ابن القيم رحمه الله في قصيدتيه النونية والميمية، وتفنن في ذكر محاسنهن، وأما تعلق الشباب بالحور العين فلا حرج فيه، لأن الشرع ما ذكر الجزاء الأخروي إلا ليرغب فيه وتطمح النفوس له، وأما كون بعض النساء تحيض فلا عيب في هذا فإنه أمر كتبه الله على بنات حواء لحكمة قضاها سبحانه وتعالى، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة لما حاضت قبل دخول مكة عام حجة الوداع: إن هذا أمر كتبه الله على بنات آدم فاقضي ما يقضي الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت. متفق عليه.
وأما الأثر الذي يظهر على من لم يواظب على النظافة فليس عيبا خاصا بنساء الدنيا، بل إن الرجال والشباب إن لم يواظبوا على النظافة والطهارة كانوا مستقذرين أيضا.
والله أعلم.
تَارِيخُ الْفَتْوَى
٢٠ جمادي الثانية ١٤٢٧