الجنة والنار باقيتان أبدا لا تفنيان
السُّؤَالُ
ـبسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين أما بعد فجزاكم الله خيراعلى مابذلتموه من نشر للإسلام والله يجزيكم يوم لاظل إلا ظله أماسؤالي فهو: هل حقا أن شيخ الإسلام ابن تيمية قال إن عذاب النار سينتهي وليس ممتدا فهل هذا قاله أم هو من الأكاذيب الملصقة به وإن كان قاله فماهو دليله مع أن هناك كثيرا من الآيات يكذب ماقال أوما ألصق به.ـ
الفَتْوَى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فما ينسب إلى شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- من القول بفناء النار ليس صحيحاً، وليس في كتبه المطبوعة المتداولة شيء من ذلك، وغاية الأمر أن تلميذه ابن القيم -رحمه الله- نقل عنه أن في المسألة قولين للسلف، وذكر بعض الآثار في ذلك عن الصحابة.
والموجود في كتب شيخ الإسلام القول بدوام الجنة والنار وبقائهما، بل وحكى اتفاق السلف والأئمة على ذلك.
وقد تولى الباحث الدكتور علي بن علي جابر بيان رأي شيخ الإسلام، وتلميذه ابن القيم في هذه المسألة في كتابه: كشف الأستار لإبطال ادعاء فناء النار.
ومما نقله عن شيخ الإسلام في ذلك:
١- سئل شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى ١٨/٣٠٧:
عن حديث أنس مرفوعاً: "سبعة لا تموت ولا تفنى ولا تذوق الفناء: النار وسكانها، واللوح والقلم، والكرسي والعرش" وهل هذا حديث صحيح؟ فأجاب:
(هذا الخبر بهذا اللفظ ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما هو من كلام بعض العلماء، وقد اتفق سلف الأمة وأئمتها، وسائر أهل السنة والجماعة على أن من المخلوقات ما لا يعدم ولا يفنى بالكلية، كالجنة والنار والعرش وغير ذلك، ولم يقل بفناء جميع المخلوقات إلا طائفة من أهل الكلام المبتدعين كالجهم بن صفوان، ومن وافقه من المعتزلة ونحوهم، وهذا قول باطل يخالف كتاب الله وسنة رسوله، وإجماع سلف الأمة وأئمتها) . انتهى.
٢- استشهد شيخ الإسلام في كتابه درء تعارض العقل والنقل ٢/ ٣٠٨:
بكلام الإمام أبي الحسن الأشعري في المقالات، وذلك في معرض بيان شيخ الإسلام لبطلان قول الجهم بن صفوان:
قال أبو الحسن الأشعري: واختلفوا أيضا هل لأفعال الله سبحانه آخر، أم لا آخر لها على مقالتين: فقال الجهم بن صفوان: إن لمعلومات الله ومقدوراته غاية ونهاية، ولأفعاله آخر، وإن الجنة والنار تفنيان، ويفنى أهلهما، حتى يكون الله آخراً لا شيء معه، كما كان أولا لا شيء معه.
وقال أهل الإسلام جميعاً: ليس للجنة والنار آخر، وإنهما لا تزالان باقيتين، وكذلك أهل الجنة لا يزالون في الجنة منعمين، وأهل النار في النار يعذبون، ليس لذلك آخر، ولا لمعلومات الله ومقدوراته غاية ولا نهاية. انتهى.
٣- إقرار شيخ الإسلام لحكاية ابن حزم الإجماع في المسألة، فقد قال ابن حزم في مراتب الإجماع: وأن النار حق، وأنها دار عذاب أبداً، لا تفنى ولا يفنى أهلها أبداً بلا نهاية. ولم يتعقبه شيخ الإسلام بشيء في كتابه نقد مراتب الإجماع، مع أنه تعقبه في مسائل كثيرة أخرى.
٤- وقال شيخ الإسلام أثناء مناقشته لمسألة تسلسل الحوادث (الفتاوى ٨/١٥٤) : (ولم ينازع في ذلك -أي في حوادث غير متناهية في المستقبل- إلا بعض أهل البدع الذين يقولون بفناء الجنة والنار، كما يقوله الجهم بن صفوان، أو بفناء حركات أهل الجنة، كما يقوله أبو الهذيل) .
٥- وقال شيخ الإسلام في منهاج السنة ١/١٤٦:
(قالوا -أي جمهور أهل السنة القائلين بالتعليل-: والتسلسل في المستقبل جائز عند جماهير المسلمين، وغيرهم من أهل الملل، وغير أهل الملل، فإن نعيم الجنة والنار دائم مع تجدد الحوادث فيهما، وإنما أنكر ذلك الجهم بن صفوان، فزعم أن الجنة والنار تفنيان، وأبو الهذيل العلاف زعم أن حركات أهل الجنة والنار تنقطع، ويبقون في سكون دائم، وذلك لأنهم اعتقدوا أن التسلسل في الحوادث ممتنع في الماضي والمستقبل. قالوا هذا القول الذي ضللهم به أئمة الإسلام.
وقد أشار ابن القيم إلى أن شيخ الإسلام صنف في ذلك مصنفاً مشهوراً، لكن لم يُعثر على هذا المصنف بعد، وقد قال الحافظ ابن عبد الهادي في كتابه (العقود الدرية في مناقب شيخ الإسلام ابن تيمية) أثناء سرده لمؤلفات شيخ الإسلام: (وله قاعدة في الرد على من قال بفناء الجنة والنار) .
وننصحك بالرجوع إلى الرسالة المشار إليها في أول الجواب.
وأما القول بتكفير شيخ الإسلام فهو من الأقوال الباطلة الجائرة، وقد أقر لشيخ الإسلام بالفضل والعلم والإمامة الموافق له والمخالف، ونحيلك إلى ما سبق تحت الفتوى رقم: ٧٠٢٢
والله أعلم
تَارِيخُ الْفَتْوَى
٠٩ محرم ١٤٢٢