أسباب كسبية وقدرية تكمن وراء المصائب
السُّؤَالُ
ـسؤالي ياشيخنا الكريم هو: لماذا دائما حظنا منحوس أنا وأخواتي-بنات- فوالدي متوفى ووالدتي إنسانة مسنة والحمد ملتزمون في كل شيء: الصلاة، والصوم، والاحترام، والمعاملة الطيبة. فانفصلت عن زوجي وانفصلت أختي الثانية عن زوجها، والأخرى تعاني من مشاكل يومية مع زوجها الذي دائما في حالة سكر، والأخرى كذلك. فمن فترة طفولتنا ونحن نعاني من قلة الحظ والنحوسية رفيقتنا في كل شيء.
ما السبب في ذلك يا شيخنا الكريم أفدني أفادك الله؟ـ
الفَتْوَى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يعافيكن في الدنيا والآخرة، وننبهكن على أن الإنسان لا يستطيع الإحاطة بحكمة الله في قضائه وقدره، ولذلك قال تعالى: وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ. {البقرة: ٢١٦} .
وقد خلق الله تعالى الإنسان ليمتحنه ويختبره، كما قال تعالى: الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ. {الملك: ٢} .
وهذا الامتحان يكون بالأحكام الشرعية كالأوامر والنواهي، ويكون كذلك بالأحكام القدرية، سواء ما نكره منها كالمصائب والشدائد، أو ما نحب كالأموال والأولاد، كما قال تعالى: وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ. {الأنبياء: ٣٥} .
وعلى المؤمن أن يصبر ويرضى بأمر الله تعالى، وأن يبصر الرحمة من خلال البلاء، فقد قال صلى الله عليه وسلم: إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله تعالى إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط. رواه الترمذي وحسنه، وابن ماجه، وحسنه الألباني. وقد سبق ذكر بعض البشارات لأهل البلاء والمصائب وبيان الأمور المعينة على تجاوز المصائب في الفتويين: ١٨١٠٣، ٥٢٤٩.
ثم لا بد من العلم أن المصائب قد تكون عقوبة على بعض الذنوب والمعاصي، فما نزل بلاء إلا بذنب، كما قال تعالى: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ. {الشورى: ٣٠} . وقد سبق بيان ذلك في الفتاوى ذوات الأرقام التالية: ٣٦٨٤٢، ٥١٣٩٤، ٤٩٢٢٨.
وقد تحصل المصائب بسبب ظلم بني آدم وبغي بعضهم على بعض، بالسحر والحسد والعين وما إلى ذلك، حتى يصل أثرها إلى الموت، وقد سبق بيان ذلك في الفتاوى ذوات الأرقام التالية: ١٩٤٧٥، ٣٠٨٥١، ١٦٧٥٥، ١٧٥٨٧.
وعلى أية حال فالأمر سواء إذا حلت المصائب، سواء أكانت بسبب ذنوب العباد، أو كانت بأسباب بشرية كالسحر والحسد، أو كانت دون هذه الأسباب. فلا بد من الصبر وعدم الجزع والتشكي. ولا مانع من التفكر في أسباب حصول ذلك للاستفادة في المستقبل.
فعليك ـ أختي الكريمة ـ بالصبر والرضا بقضاء الله، ونذكرك بقول النبي صلى الله عليه وسلم: عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ. رواه مسلم. وقوله صلى الله عليه وسلم: إذا أراد الله بعبده الخير عجل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد الله بعبده الشر أمسك عنه بذنبه حتى يوافي به يوم القيامة. رواه الترمذي، وحسنه الألباني.
وقد تقدم لنا بيان الخطوات العملية لتجنب سوء القضاء في الفتوى رقم: ١٢٣٢١٤. وبيان كيف تستقيم أحوال العبد في معاشه ومعاده في الفتوى رقم: ١٢٢٠٩٠. فراجعيهما للأهمية. ولزيادة الفائدة يرجى الاطلاع على الفتاوى ذوات الأرقام التالية: ٢٦٧٢٧، ٤٧٢٤٧، ٨١٠١٩.
والله أعلم.
تَارِيخُ الْفَتْوَى
١٧ شعبان ١٤٣٠