التسليم لله تعالى والرضا بما قضاه
السُّؤَالُ
ـلقد ولِدْنَا غير مخيرين للقدوم إلى هذه الحياة، وما علينا إلا أن نكمل الطريق لهذا الامتحان الصعب من أجل الفوز بالجنة أو الفشل والذهاب إلى النار. ماذا لو كنا رافضين أصلا لهذا الامتحان والخوض في الحياة التي تنتهي بأهوال، ونتيجتها جنة أو نار، لما لم نخير؟ـ
الفَتْوَى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمسلم يجب عليه أن يعتقد أن الله تعالى يخلق ما يشاء ويفعل ما يريد، لا معقب لحكمه، ولا راد لقضائه، ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون، لا يظلم أحداً من خلقه مثقال ذرة، قال تعالى: لا يسأل عما يفعل وهم يسألون {الأنبياء:٢٣} وقال جل وعلا: إن الله لا يظلم مثقال ذرة {النساء:٤٠} .
وأنه تعالى لم يخلق الكون لعبا، ولا العباد عبثا، ولن يتركهم سدى، فكل أفعاله تعالى منطوية على الحكمة التامة، كما قال تعالى: وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ * مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ {الدخان:٣٩،٣٨} وقال: أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ {المؤمنون: ١١٥} وقال: أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى {القيامة: ٣٦} وقال تعالى: قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ {الأنعام: ١٤٩} .
ومبنى الدين على الإيمان بالغيب، وإثبات كل أنواع الكمال المطلق لله تعالى، ونفي كل أنواع النقص عنه سبحانه، والعقل الإنساني مهما أوتي من قوة وإدراك فهو محدود للغاية، فهو يجهل كثيرا من أسرار نفسه فضلا عن الخلق والكون من حوله، قال تعالى: وما أوتيتم من العلم إلا قليلا {الإسراء: ٨٥} وقال: والله يعلم وأنتم لا تعلمون {البقرة: ٢١٦}
فكيف يستطيع هذا الإنسان الضعيف الإحاطة بحكمة الله في قضائه وقدره، وخلقه وأمره. ومَن هذه حاله وتلك قدرته وطاقته، فهل من الحكمة أن يُخيَّر أو يُستَأمر، ولو حصل هذا واتبع الحق أهواء البشر لفسد الكون قطعا، كما قال تعالى: وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ {المؤمنون: ٧١}
وعلى أية حال فقد خلق الله تعالى الإنسان ليمتحنه ويختبره، كما قال تعالى: وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً {هود: ٧}
وقال سبحانه: الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ {الملك: ٢}
وعلى الصابر أن يرضي بالله ربا، وعليه أن يشغل نفسه بما ينفعه ويقربه إلى الله تعالى، وأن يغلق المنافذ التي يدخل الشيطان منها إلى نفسه ليفسد عليه دينه وآخرته، فالخير كل الخير في الرضى بقضاء الله تعالى والاشتغال بطاعته ومراضيه.
وقد سبق الكلام عن الحكمة من خلق العباد في الفتاوى ذات الأرقام التالية: ٧٢٣، ٥٤٩٢، ١١٤٢٥٥. وأن الدنيا دار ابتلاء ومحنة في الفتويين: ٦١٢٤٤، ٢٣٥٨٦. وراجع لمزيد الفائدة الفتويين: ٩٥٣٥٩، ٨٦٥٣.
والله أعلم.
تَارِيخُ الْفَتْوَى
٢١ صفر ١٤٣٠