الرضا بما قدر الله والعلم بأن ما للمرء سيناله لا محالة
السُّؤَالُ
ـأنا الآن مريضة نفسيا لأني فسخت خطوبتي ولم أتحمل الألم الذي في صدري أحس باختناق شديد حتى القرآن لا أستطيع تلاوته كما يجب فأرجوكم ساعدوني لأشفى؟ وشكراً.ـ
الفَتْوَى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلمي يقينا أن الأمور كلها بيد الله تعالى، والأرزاق يقسمها بين عباده كيف يشاء، وله في ذلك حكم بالغة، وهو العليم الخبير لا مانع لما أعطى، ولما معطي لما منع، ولا راد لما قضى سبحانه وتعالى، والخير كل الخير للعبد في الرضا، والشر كل الشر في التسخط والاعتراض عليه.
والذي ننصحك به هو الرضا بما قدر الله تعالى، والالتجاء إليه سبحانه فهو لا يرد داعيه خائباً، وأن لا تتسخطي على قضاء الله تعالى، ولا تيأسي من روح الله تعالى. واحذري من الوساوس والتخيلات فإنها خطيرة وعواقبها وخيمة، ولست أول من تفسخ خطبتها فلا تشغلي بالك بهذا الموضوع فما قسمه الله تعالى لك ستنالينه لا محالة، ولا يستطيع أحد أن يحول بينك وبينه، ولعل ما حصل هو الذي فيه الخير لك، وعسى أن يكون الله مدخراً لك ما هو افضل وأنفع، فإن الله سبحانه بصير بعباده عليم بما يصلحهم، واقرئي بتدبر ويقين بالله قوله تعالى: وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ {البقرة:٢١٦} ، وقوله تعالى: فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا {النساء:١٩} ، وقوله تعالى: مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ {التغابن:١١} .
جاء في تفسير ابن كثير: (وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) أي: ومن أصابته مصيبة فعلم أنها بقضاء الله وقدره، فصبر واحتسب واستسلم لقضاء الله هدى الله قلبه، وعوضه عما فاته من الدنيا هُدى في قلبه، ويقينا صادقاً، وقد يخلف عليه ما كان أخذ منه، أو خيراً منه.
وقال الأعمش: عن أبي ظبيان قال: كنا عند علقمة فقرئ عنده هذه الآية: وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ. فسئل عن ذلك فقال: هو الرجل تصيبه المصيبة، فيعلم أنها من عند الله فيرض ى ويسلم. رواه ابن جرير وابن أبي حاتم. وقال سعيد بن جبير، ومقاتل بن حيان: وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ. يعني: يسترجع، يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون.
وفي الحديث المتفق عليه: عجباً للمؤمن لا يقضي الله له قضاء إلا كان خيراً له، إن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له، وإن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن. انتهى.
والله أعلم.
تَارِيخُ الْفَتْوَى
١٩ ربيع الأول ١٤٢٩