لا يعذب الله أحدا إلا بعد قيام الحجة عليه
السُّؤَالُ
ـأرغب في معرفة مدلول الآية الكريمة (ولله ما في السماوات وما في الأرض، يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء، والله غفور رحيم) من سورة آل عمران، فهل معني هذه الآية أن العذاب مفروض على الإنسان وليس لديه اختيار، بمعنى أن التعذيب أو الرحمة هي بيد الله وحده وأن الإنسان يكتب عليه أي من هذين الأمرين، وأن الإنسان مجبر، وهل يمكن أن يقوم الإنسان بكافة أركان الإسلام من صلاة وصوم وغيرها من أركان الإسلام، ثم يعذب في النهاية، أرجو من سيادتكم الإفادة وجزاكم الله خيراً.ـ
الفَتْوَى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقوله تعالى: يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ {آل عمران: ١٢٩} يدل على أن الله سبحانه هو الحاكم المالك المتصرف في جميع عباده بالمغفرة والعذاب، فعال لما يريد، لا يسأل عما يفعل، وليس معناها أن الله يعذب المطيع ويرحم الكافر، لأنه وعد برحمة المؤمنين وتعذيب الكافرين.
قال الإمام الطبري: فإنه يغفر لمن يشاء من أهل الإيمان به ذنوبه فيصفح عنه بفضله ويسترها عليه برحمته فلا يعاقبه بها، ويعذب من يشاء يقول: ويعدل على من يشاء من خلقه فيعاقبه على ذنوبه ويفضحه بها على رؤوس الأشهاد، فلا يسترها عليه. اهـ. بتصرف.
فمعنى الآية الكريمة غير ما ظننت لأن الله تعالى حكيم رحيم عدل لا يعذب أحدا إلا بذنوبه، ولا يعذبه إلا بعد قيام الحجة عليه، قال تعالى: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا {الإسراء: ١٥} . والله تعالى أعطى العبد عقلا وقدرة وإرادة يتمكن بها من جلب ما ينفعه ودفع ما يضره وعرفه طريق الخير والشر ثم جعله مخيرا بين الأمرين، ولمزيد فائدة في هذا الموضوع راجع الفتوى رقم: ٤٠٥٤.
فمن وفقه الله لطاعته بامتثال أوامره واجتناب نواهيه فمصيره إلى الجنة إن شاء الله. قال تعالى: فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (٥) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (٦) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى {الليل: ٥-٧} . وقال: وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ {الأعراف: ٤٣}
وعليه، فمن أتى بأركان الإسلام واستقام على أمر الله فهو من أهل الجنة، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفلح إن صدق، أو دخل الجنة إن صدق. لمن قال له: والذي أكرمك لا أتطوع شيئا ولا أنقص مما فرض الله شيئا. وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة.
واعلم رحمك الله أن الخاتمة التي هي أمارة على الرحمة أو العذاب تكون ميراث السوابق الصالحة أو الطالحة، فعلى المسلم اللبيب الرشيد أن يبقى متمسكا بما أوجب الله عليه حتى إذا اصطلمه الموت كان من أهل الجنة. وراجع الفتويين: ٥٨٥٥٣، ٥٦٨٢٤.
والله أعلم.
تَارِيخُ الْفَتْوَى
١٧ ربيع الأول ١٤٢٦