القدر.. والدعاء، وهل يمكن تغير القدر
السُّؤَالُ
ـالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سؤالي أكرمكم الله كالآتي: ماهو القدر؟ وما هي الأشياء التي تغير القدر؟ وهل الدعاء يغير القدر؟ وهل النصيب فيما يتعلق باختيار الزوجة له علاقة بالقدر؟ وهل يمكن تغييره أم هو مكتوب من عند الله لا تغيير فيه؟
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.ـ
الفَتْوَى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالقدر هو ما قدّره الله وقضاه من المقادير، أي الأشياء التي تكون. فلا يقع شيء في الكون إلا وقد علمه الله في علمه الأزلي، وقضى أن يكون.
قال الإمام النووي في شرحه على صحيح مسلم عند حديث: العين حق. ولو كان شيء سابق القدر سبقته العين: فيه إثبات القدر، وهو حق بالنصوص وإجماع أهل السنة، ومعناه: أن الأشياء كلها بقدر الله تعالى، ولا تقع إلا على حسب ما قدرها الله تعالى، وسبق بها علمه، فلا يقع ضرر العين، ولا غيره من الخير والشر إلا بقدر الله تعالى. اهـ
واعلم أن القدر الذي هو القضاء المبرم الذي علم الله أنه سيقع لا يغيره شيء لا دعاء ولا غيره، ولكن هنالك ما يسميه العلماء بالقضاء المعلق، وهو ما علق وقوعه على شيء، مثل الزيادة في العمر إذا وصل الإنسان رحمه، كأن يقدر له إن وصل رحمه أربعين سنة، وإن لم يصل رحمه ثلاثين سنة، وهذا بالنسبة إلى غير الله معلق. أما بالنسبة إلى الله تعالى فهو مبرم، أي لا يغيَّر فيه شيء.
أما بالنسبة للملك الموكل بقبض الأرواح، أو كتابة الآجال، أو الأرزاق، فيمكن تغييره، وهذا مأخوذ من قوله تعالى: يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ الرعد:٣٩ .
وعليه يمكن تغيير القدر بأمور وردت بها النصوص كصلة الرحم وبر الوالدين وأعمال البر والدعاء، والدعاء أقوى الأسباب في رد القدر، كما في الحديث الذي رواه أحمد والترمذي وابن ماجه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يزيد في العمر إلا البر، ولا يرد القدر إلا الدعاء، وإن الرجل ليحرم الرزق بخطيئة يعملها. وفي لفظ: بالذنب يصيبه.
قال السندي في شرحه على سنن ابن ماجه: قال الغزالي: فإن قيل: ما فائدة الدعاء مع أن القضاء لا مرد له؟ فاعلم أن من جملة القضاء رد البلاء بالدعاء، فإن الدعاء سبب رد البلاء، ووجود الرحمة، كما أن البذر سبب لخروج النبات من الأرض، وكما أن الترس يدفع السهم، كذلك الدعاء يرد البلاء. اهـ
ويدخل في القدر بلا شك اختيار الزوجة، وأنه مكتوب عند الله تعالى منذ الأزل، ولكن المرء مطالب شرعًا بأخذ الأسباب التي جعلها الله مؤدية لاختيار الزوجة الصالحة، كما في الحديث الشريف: تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها وجمالها ودينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك. متفق عليه.
والله أعلم.
تَارِيخُ الْفَتْوَى
٢٦ جمادي الأولى ١٤٢٤