من محاسن الدين كون الإنسان مختارا مسئولا عن عمله
السُّؤَالُ
ـسبق لي وأن سألت هذا السؤال
إذا كانت أمور الإنسان كلها مقدرة من عند الله ومكتوبة عليه سواء فعل صوابا أو فعل خطأ فعل خيرا أم فعل شرا فكل شيء مقدر عليه سلفا ومكتوب في لوحه منذ خلق الله الخلق وكتب لكل إنسان ماله وما عليه
فإن الله تعالى كتب على كل إنسان منذ بداية خلقه في بطن أمه وبدء تكوينه في رحم أمه كتب الله عليه كل شيء يجري له في حياته
فإذا كان كل ما يجري للإنسان منا في حياته مقدرا من عند الله فلماذا إذا حدث من الإنسان أي خطأ يعاقبه إنسان آخر مثله كأن يرتكب أي معصية من المعاصي؟
أرجو الرد سريعا ودمتم وجزاكم الله عنا خيراًـ
الفَتْوَى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد سبق بيان أن الإنسان فاعل بالاختيار، وأن علم الله السابق بحاله ومآله لا يعني أن الإنسان مجبور على سلوك طريق معين، وذلك في الفتوى رقم:
٨٦٥٣ والفتوى رقم:
٧٤٦٠.
ولما كان الإنسان يفعل باختياره وإرادته دون أن يشعر بأن أحداً يجبره على فعل معين، لم يكن مستغرباً أن يعاقب على تقصيره في الدنيا من قبل غيره، أو أن يعاقب في الآخرة إذا لم يعف الله عنه.
ولو كان الاحتجاج بالقدر نافعاً في هذا الأمر لقيل للإنسان: لا تأكل ولا تشرب ولا تنفق على أهلك وأولادك، بل ولا تنكح ولا تتزوج، اعتماداً على القدر.
فإن كان مقدراً لك أن تعيش فسيكون ذلك وإن لم تأكل وإن لم تشرب!! وهكذا.... وهذا مما لا يستسيغه صاحب عقل.
ولو رفعت المؤاخذه عن الجاني اعتماداً على القدر السابق لأصبحت الحياة كالغابة الموحشة، يأكل القوي فيها الضعيف لأمنه من العقاب، ولو كلف الإنسان بالصبر وعدم الانتصاف من ظالميه في كل الأحوال لكان ذلك تكليفاً بما لا يطاق، وهذا يعرفه كل إنسان من نفسه، فلو قيل لك: إن فلاناً سيأخذ مالك، ويغصب أرضك، ويعتدي على أهلك، ويؤذيك بأنواع الأذى، وأنك مأمور بالتسليم وعدم الاعتراض، لكون ذلك أمراَ مقدراً، لبادرت إلى الإنكار والاعتراض، وهذا حال الناس جميعاً.
وهذا يؤكد عظمة ما جاء به الإسلام من جعل الإنسان مختاراً، مسئولاً عن أعماله.
والله أعلم.
تَارِيخُ الْفَتْوَى
١٣ جمادي الأولى ١٤٢٣