عقد الإسلام ينتقض إذا تمكن من القلب شك
السُّؤَالُ
ـدخلت في دائرة الشك حول أي الأديان هو الحق بسبب مجموعة من النصارى كل هدفهم تنصير المسلمين ووضعوا أمامي مجموعة من الآيات التي بها بعض التناقضات في اللفظ وليس تناقضا في المعنى، ولكن للأسف بجهلي لم أستطع التفريق ودخلت معهم في دائرة الشك، هل أصبحت بذلك مرتداً عن الإسلام، وهل لو كنت وصلت لهذه الدرجة والعياذ بالله فما الحل وما الطريق الصحيح، وبأي الكتب أبدأ وبأي المراجع أبدأ للتفقه في الإسلام، وهل أصبحت كافراً الآن لما وصلت إليه من الشك، ولو كنت وصلت لهذه المرحلة والعياذ بالله هل يصح إسلامي لو نطقت الشهادتين مرة أخرى أرجو منكم النصح والإرشاد جزاكم الله عن المسلمين كافة خيرا، فأنا الآن لا أعلم شيئاً سوى أني نادم على ما فعلت وأعيش الآن في أزمة لا يعلمها إلا الله الواحد الأحد الذي لا شريك له تعالى عما يقول السفهاء من الذين اتبعوا الباطل، أريد المساعدة والنصح، أرجوكم؟ وجزاكم الله خيراً.ـ
الفَتْوَى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فينبغي التنبيه إلى الفرق بين الشك والوسوسة، فالوسوسة هي ما يهجم على القلب بغير اختيار الإنسان، فإذا كرهه العبد ونفاه كانت كراهته صريح الإيمان، وانظر الفتاوى ذات الأرقام التالية: ٢٢٠٥٥، ١٨٧، ٧٩٥٠.
والإيمان عند أهل السنة والجماعة قول وعمل، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: القول المطلق والعمل المطلق في كلام السلف يتناول قول القلب واللسان، وعمل القلب والجوارح، فقول اللسان بدون اعتقاد هو قول المنافقين، وهذا لا يسمى قولاً إلا بالتقييد، كقوله تعالى: يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ. وكذلك قول الجوارح بدون أعمال القلوب هو من أعمال المنافقين التي لا يتقبلها الله. انتهى.
وعلى ذلك، فإن عقد الإسلام ينتقض إذا تمكن من القلب شك، لأنه ينافي قول القلب وهو الاعتقاد، وجاء في الفتوى رقم: ٧١٥٠ من فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء بالسعودية: الردة هي الكفر بعد الإسلام، وتكون بالقول والفعل والاعتقاد والشك. انتهى، وانظر الفتوى رقم: ٨١٠٦، والشك نقيض اليقين، وهو التردد بين شيئين، كالذي لا يجزم بصدق الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا يكذبه، ولا يجزم بوقوع البعث ولا عدم وقوعه.
فلا يكون العبد مؤمناً إلا إذا كان موقناً يقيناً جازماً بمدلول شهادة: لا إله إلا الله محمد رسول الله، قال تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ {الحجرات:١٥} ، وقال صلى الله عليه وسلم: أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله لا يلقى الله بهما عبدٌ غير شاك فيهما إلا دخل الجنة. رواه مسلم، فاشترط في دخول قائلها الجنة أن يكون مستيقناً بها قلبه غير شاك فيها، وإذا انتفى الشرط انتفى المشروط، وانظر الفتوى رقم: ٥٣٩٨.
واعلم أن الإنسان قد يطرأ في نفسه نوع شك لكنه مع ذلك يكون في داخله مصدقا بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم وفي مثل هؤلاء يقول شيخ الإسلام رحمه الله في درء تعارض العقل والنقل: ولكن ليس كل من دخل عليه شعبة من شعب التفاق والزندقة فقبلها جهلا أو ظلما يكون كافرا منافقا في الباطن بل قد يكون معه من الإيمان بالله ورسوله ما يجزيه الله عليه ولا يظلم ربك أحدا.
وتوبة الشاك بالإتيان بالشهادتين مع الجزم واليقين بما كان قد شك فيه، قال في زاد المستقنع: ومن كان كفره بجحد فرض ونحوه فتوبته مع الشهادتين – إقراره بالمجحود به.
واعلم أن من أراد الوصول إلى اليقين فعليه أن ينظر في آيات صدق الرسول صلى الله عليه وسلم ويتأملها ويتدبر كلام الله تعالى قال الإمام ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين: وهذا لا يستمر شكه إلا إذا ألزم نفسه الإعراض عن النظر في آيات صدق الرسول صلى الله عليه وسلم جملة فلا يسمعها ولا يلتفت إليها وأما مع التفاته إليها ونظره فيها فإنه لا يبقى معه شك لأنها مستلزمة للصدق ولا سيما بمجموعها فإن دلالتها على الصدق كدلالة الشمس على النهار. ومما يعين في هذا الباب أن يطالع ما كتبه العلماء عن إعجاز القرآن، ومنها ما كتب الشيخ عبد المجيد الزانداني في كتابيه: (التوحيد) و (الإيمان) ، وكذلك انظر كتاب (الإيمان والحياة) للقرضاوي، وكتاب (العقيدة في الله) للأشقر، وكتاب (العلم يدعو إلى الإيمان) لوحيد خان.
كما ننصحك بطلب العلم النافع، والاستماع إلى الأشرطة النافعة، وصحبة الصالحين، هذا ولا ينبغي الخوض مع النصارى إلا بعد التضلع من العلم، حتى لا ينطلي عليك ما يلقونه من الشبهات مع أنها داحضة في نفسها.
والله أعلم.
تَارِيخُ الْفَتْوَى
١١ شوال ١٤٢٥