خطورة الاعتقاد بأن العادات والتقاليد أفضل من الشرع
السُّؤَالُ
ـأختلف أنا وأحد أقاربي دائما، حيث يقول إننا نملك كماً من العرف والعادات والتقاليد يغنينا عن سؤال أهل الفتوى، وأن العرف والعقل والمنطق يحلان كل المشاكل. وأن الدين بين الإنسان وربه ولا دخل لأحد فيها. أقول له بأن هذا الكلام حرام، وأن العرف يحتوي على كثير من المحرمات والظلم أحيانا، وأن الطيب منه هو ما اتفق مع شريعة الله، وإلا فهو محرم. يقول عاش الناس في بلادنا سنين في هناء بدون أن يفكروا في الدين، كما هو الآن، وكان الأقارب يتعاملون مع بعضهم دون حرج، وأن الدين أدخل الحرج بين أبناء العمومة وأبناء الخالات وما شابه، خصوصا في علاقة الذكور والإناث. هذا الكلام وما شابهه أيضا يا فضيلة الشيخ يكثر في بلدنا ليبيا خصوصا من بعض كبار السن. أعلم أنه حرام لأن أفضل شرع هو شرع الله، ولكن أريدك ان توجه لهم دليلا من القرآن والسنة على أن هذا الكلام حرام.ـ
الفَتْوَى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما يقوله هذا الرجل إنما هو افتراء مبين وإفك عظيم، والواجب تجاه قائله أن يُعرّف بحقيقة هذا الكلام وخطره على أصل الدين، وأنه خروج عن دين المسلمين وكفر برب العالمين، فإن الله سبحانه إنما شرع الدين وأرسل الرسل وأنزل الكتب ليتحاكم الناس إليها فيما شجر بينهم، ولم يشرع لهم أن يتحاكموا إلى عاداتهم أو تقاليدهم أو أعرافهم خصوصا إذا خالفت الشرع، ومن زعم أن حكم غير الله مساو لحكم الله فهو كافر، فكيف بمن اعتقد أن حكم غير الله أحسن من حكم الله، يقول ابن عثيمين رحمه الله في كتابه القول المفيد على كتاب التوحيد: وقد سبق بيان أن مَن اعتقد أن حكم غير الله مساو لحكم الله، أو أحسن، أو أنه يجوز التحاكم إلى غير الله، فهو كافر. انتهى.
وكل الأحكام المخالفة لأحكام الله سبحانه هي من أحكام الجاهلية، والله سبحانه يقول: أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ. {المائدة: ٥٠}
يقول ابن كثير رحمه الله: ينكر تعالى على من خرج عن حكم الله المحكم المشتمل على كل خير، الناهي عن كل شر، وعدل إلى ما سواه من الآراء والأهواء والاصطلاحات، التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله، كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجهالات، مما يضعونها بآرائهم وأهوائهم، وكما يحكم به التتار من السياسات الملكية المأخوذة عن ملكهم جنكز خان، الذي وضع لهم اليساق وهو عبارة عن كتاب مجموع من أحكام قد اقتبسها عن شرائع شتى، من اليهودية والنصرانية والملة الإسلامية، وفيها كثير من الأحكام أخذها من مجرد نظره وهواه، فصارت في بنيه شرعا متبعا، يقدمونها على الحكم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. ومن فعل ذلك منهم فهو كافر يجب قتاله، حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فلا يحكم سواه في قليل ولا كثير، قال الله تعالى: {أفحكم الجاهلية يبغون} أي: يبتغون ويريدون، وعن حكم الله يعدلون. {ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون} أي: ومن أعدل من الله في حكمه لمن عقل عن الله شرعه، وآمن به وأيقن وعلم أنه تعالى أحكم الحاكمين، وأرحم بخلقه من الوالدة بولدها، فإنه تعالى هو العالم بكل شيء، القادر على كل شيء، العادل في كل شيء. انتهى.
وقد ذكرنا كلاما نفيسا في قضية الحكم بما أنزل الله في الفتوى رقم: ٦٥٧٢. وبينا حكم العمل بالعادات والتقاليد والأعراف في الفتويين رقم: ١٠٠٠٧٤، ٣٠١٩٥، ١٤٨٠٥.
وأما ما يفتريه هذا الرجل من قوله إن الشريعة قد أدخلت الحرج على الناس في تعاملاتهم، وكانوا قبلها في يسر وراحة، فهذا إمعان منه في الضلال والكذب على الله والطعن في دينه، فدين الله قد جاء باليسر والسماحة ورفع الحرج عن الناس في أمور دينهم ودنياهم، وإن كان الناس قبل الدين لفي ضلال مبين وظلام عميم، وكانت الأمم قبل أمة الإسلام تئن تحت وطأة الآصار والأغلال والتكاليف الشاقة التي رفعت ببعث سيد المرسلين، وقد بينا هذا بالتفصيل والدليل في الفتوى رقم: ٧٤٧٠٤.
فالواجب عليك أن تبذل جهدك أيها السائل في تعليم هذا الرجل وتبصيره بالصواب، فإن لم يستجب لك فأعرض عنه وعن مجالسته ومصاحبته، فهجر أمثال هؤلاء من أوثق عرى الإيمان، كما بيناه في الفتوى رقم: ١١٩٥٨١.
والله أعلم.
تَارِيخُ الْفَتْوَى
٠١ جمادي الثانية ١٤٣٠