هل يصيب الكفار السحر والعين والمس
السُّؤَالُ
ـأثابكم الله على الرد على المسلمين بما ينفعهم.
أريد أن أعرف هل يصيب الكفار مثل ما يصيبنا من السحر والعين والمس ولو كان يصيبهم مثل مايصيبنا لكانوا كلهم مجانين بدون استثناء لأنهم لم يذكروا الله في حياتهم أبدا وإذا كان يصيبهم مثل مايصيبنا والبعض من هؤلاء الكفار لم تصلهم الدعوة الإسلامية أبدا فلماذا يصيبهم الله بهذه الأشياء التي لايعرفونها؟ـ
الفَتْوَى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيستوي في الإصابة بما ذكرت المسلم والكافر، لكن الله تعالى خص المؤمنين بالتحصن منه بالإيمان والأعمال الصالحة التابعة له كالذكر والصلاة والصيام ونحو ذلك، فإذا غفل المرء عن أعمال الإيمان فإنه قد يبتلى بذلك، وهذا ما ذكره أبان بن عثمان كما في سنن ابن ماجه عن أبان بن عثمان قال: سمعت عثمان بن عفان يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من عبد يقول في صباح كل يوم ومساء كل ليلة: بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم -ثلاث مرات- فيضره شيء. قال الشيخ الألباني: صحيح
قال: وكان أبان قد أصابه طرف من الفالج فجعل الرجل ينظر إليه، فقال له أبان: ما تنظر إليَّ، أما إن الحديث كما قد حدثتك، ولكني لم أقله يومئذ ليمضي الله عليّ قدره.
والكافر غافل عن أصل الإيمان فتكون إصابته بذلك من باب أولى إذا شاء الله عز وجل، وبالأحرى أن يستوي معه في الأسباب الأخرى التي سنذكرها، فيصاب كل على قدر غفلته.
قال ابن تيمية: وصرع الجن للإنس هو لأسباب ثلاثة:
تارة يكون الجني يحب المصروع فيصرعه ليتمتع به وهذا الصرع يكون أرفق من غيره وأسهل، وتارة يكون الإنسي آذاهم إذا بال عليهم أو صب عليهم ماء حاراً أو يكون قتل بعضهم أو غير ذلك من أنواع الأذى وهذا أشد الصرع وكثيراً ما يقتلون المصروع، وتارة يكون بطريق العبث به كما يعبث سفهاء الإنس بأبناء السبيل. انتهى
وقال أيضاً: وصرعهم للإنس قد يكون عن شهوة وهوى وعشق كما يتفق للإنس مع الإنس، وقد يتناكح الإنس والجن ويولد بينهما ولد وهذا كثير معروف، وقد ذكر العلماء ذلك وتكلموا عليه، وكره أكثر العلماء مناكحة الجن، وقد يكون- وهو كثير أو الأكثر- عن بغض ومجازاة مثل أن يؤذيهم بعض الإنس أو يظنوا أنهم يتعمدون أذاهم إما ببول على بعضهم وإما بصب ماء حار وإما بقتل بعضهم وإن كان الإنسي لا يعرف ذلك، وفي الجن جهل وظلم فيعاقبونه بأكثر مما يستحقه، وقد يكون عن عبث منهم وشر بمثل سفهاء الإنس. وحينئذ فما كان من الباب الأول فهو من الفواحش التي حرمها الله تعالى كما حرم ذلك على الإنس وإن كان برضى الآخر، فكيف إذا كان مع كراهته فإنه فاحشة وظلم فيخاطب الجن بذلك، ويعرفون أن هذا فاحشة محرمة أو فاحشة وعدوان لتقوم الحجة عليهم بذلك ويعلموا أنه يحكم فيهم بحكم الله ورسوله الذي أرسله إلى جميع الثقلين الإنس والجن.
وما كان من القسم الثاني فإن كان الإنسي لم يعلم فيخاطبون بأن هذا لم يعلم، ومن لم يتعمد الأذى لا يستحق العقوبة، وإن كان قد فعل ذلك في داره وملكه عرفوا بأن الدار ملكه فله أن يتصرف فيها بما يجوز، وأنتم ليس لكم أن تمكثوا في ملك الإنس بغير إذنهم، بل لكم ما ليس من مساكن الإنس كالخراب والفلوات. انتهى
ونضيف هنا أن ما ذكرته قد يكون عقوبة من الله بسبب اقتراف المرء بعض الذنوب والآثام، ولا شك أنه ليس بعد الكفر ذنب فهو أعظم الذنوب على الإطلاق، قال تعالى: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ {الشورى:٣٠}
وقد يكون ذلك ابتلاء من الله تعالى، فالله تعالى بحكمته يبتلي من شاء من عباده بأنواع البلايا والمصائب، قال عز وجل: وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً {الأنبياء:٣٥} إلا أن الكافر يبتلى بمثل هذا من باب العقوبة، والمؤمن يبتلى لمحو السيئات أو لرفع الدرجات.
والله أعلم.
تَارِيخُ الْفَتْوَى
١٥ ذو الحجة ١٤٢٦