الآداب التي يتأدب بها المبتلى بالسحر
السُّؤَالُ
ـأنا شاب كنت متفوقا دراسيا، ولكن قضى الله لي أن يعمل لي أحد الأقارب عمل سحر فدمر هذا العمل مستقبلي الدراسي، وآذاني كثيراً- والله على ما أقول شهيد ووكيل- وكان هذا العمل يظهر على هيئة خطوط وطلاسم، وعلامات غريبة على جسدي، وكان يسبب لي النسيان والتوهان والضيق الشديد من العبادة والمذاكرة، فلم أكن أستطيع المكوث فى البيت للمذاكرة ولو دقائق، وأنا أعاني منه منذ ٣ سنوات وحتى يومنا هذا، وكان يسبب لي الرغبة فى النوم دائما،وذهبت لأطباء كثر ولم يستطيعوا مساعدتي وقالوا لي إن علاجي ليس عندهم، وإنه لا يوجد سبب عضوي أو مرضي لهذه الأشياء التي بجسدي، وإنه لا يوجد تفسير طبي لها، وذهبت لمشايخ كثر يعالجون بالرقية الشرعية وكلهم أجمعوا على أني مصاب بسحر من نوع سحر الكتابة، وأنه خطير وشديد الأثر مما له من أعراض النسيان والتوهان المستمر، والرغبة فى النوم الشديدة والدائمة، والضيق وسرعة الغضب والوسوسة الشديدة كما ذكرت من قبل لكم،وفشلوا فى علاجى، وما زالت معاناتي مستمرة، وقد أثر علي فى دراستي ولم أستطع الانتظام فى الدراسة مما جعلني استنفذ عدد مرات الاعتذار عن الامتحانات بالكلية، وقد صدر إنذار بحقي من إدارة الكلية بأنني سأفصل نهائيا من الكلية فى آخر هذا العام ٢٠٠٩ وسيضيع بذلك مستقبلي نهائيا، وليس أمامي حل لهذه المسألة إلا آخذ أوراقي وتقديمها فى أي كلية خاصة، هذا كله بسبب هذا السحر الملعون الذي دمرني وأنا لا أملك المال لذلك، فوالدي خادم مسجد ومرتبة الشهري ٢٠٠ جنيه، ولذلك ليس أمامي إلا شهادات الاستثمار التي تصدر من البنك الأهلي فهذا أملي الوحيد لإنقاذي. فهل يجوز لي ذلك، وإذا عملت بوظيفة هذه الكلية- إن شاء الله- بعد تخرجي فهل سيكون مالي حلالا أم لا؟ وأرجو الإفادة التامة فأنا فى كرب عظيم ومعاناة شديدة، فأفتوني فتوى خالصة لوجه الله تعالى فأنا مضطر لذلك؟
وجزيتم خيراً.ـ
الفَتْوَى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فننبهك أولاً إلى أن أمر السحر خطير جداً ولا يجوز اتهام المسلم بعمله إلا عن بينة ويقين، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ. {الحجرات:١٢} ، كما أنه لا ينبغي عزو كل مكروه إلى السحر، لكن من ظهرت عليه علامات وأعراض السحر جاز له أن يرقي نفسه، ويلجأ إلى الله عز وجل التجاء المكروب المضطر إلى رحمته وتيسييره، كما التجأ إليه أيوب فقال: وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ* فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ. {الأنبياء:٨٣-٨٤} .
فكن من أولى الألباب واتعظ بحال أيوب عليه السلام ومثله ممن مسهم الضر فلجؤوا إلى الله، واتخذوا الأسباب المشروعة في علاج ما أصابهم، فما من داء إلا وله دواء علمه من علمه وجهله من جهله، وفي الحديث: تداوو عباد الله فإن الله لم يضع داء إلا وضع له دواء غير داء واحد الهرم. رواه أحمد.
وطلب الرقية يكون من أهل التخصص في هذا المجال، وعليك أنت بالمداومة على ذكر الله تعالى، والحرص على الصلوات في جماعة، ومجالسة أهل العلم والدين، وراجع في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: ٢٣٤٠٩، ٢٧٨٤١، ١٥٧٧١. ولمعرفة كيفية علاج السحر راجع في ذلك الفتويين رقم: ٢٠٠٨٢، ٢٠٧٩١.
وأما شهادات الاستثمار، لدى البنك المذكور فإنها محرمة، كما بينا ذلك في الفتوى رقم: ٦٠١٣، ولا يجوز أكل الحرام إلا عند الضرورة، قال تعالى: فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ. {البقرة:١٧٣} ، ولا نرى ضرورة فيما ذكرت تلجئك إلى التعامل بالحرام، ومن اتقى الله تعالى رزقه من حيث لا يحتسب، وفرج همه، ونفس كربه، وجعل له من أمره يسراً، ومن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه.
وأما لو عملت في المستقبل في الكلية أو غيرها من مجالات العمل المباح وتقاضيت أجراً على عملك وكنت تؤديه على الصورة المطلوبة فأجرك حلال، ولا يؤثر فيه ما أقدمت عليه من معاملات محرمة قبل ذلك.
والله أعلم.
تَارِيخُ الْفَتْوَى
٢٤ ربيع الثاني ١٤٣٠