تهافت شبهة الادعاء بعلم الغيب
السُّؤَالُ
ـشكرا جزيلا على إجابتكم وجزاكم الله كل خير وأدخلكم في نعيم جناته إن الله يصطفي من عباده من يشاء ويهدي من يشاء ويوحي لمن يشاء في كل مكان وزمان ولكن الشياطين لعنة الله عليهم لا يعلمون الغيب لأن علم الغيب لا يعلمه إلا الله سبحانه وأنه قادر أن يوحي به لمن يشاء لقد أوحي لي قبل سنة أن أبي سيتوفى وإن الله يبشره بالجنة وهذا ما حصل بالفعل أبي رحمه الله توفي في ذلك الموعد الذي أوحي لي به هل يعلم الشياطين متى يتوفى الإنسان وهل يعلم متى سيأتي سيدنا عيسى عليه السلام إلى الأرض إنه سيأتي عن قريب وفي هذا الزمان بإذن الله.
جزاكم الله خيرا.ـ
الفَتْوَى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلمي أن علم الغيب مما استأثر الله به، ولا سبيل للخلق للاطلاع عليه. قال الله تعالى: قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ {النمل:٦٥} . وقال تعالى: وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ {الأنعام: ٥٩} . وقال تعالى: عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً*إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ {الجن: ٢٦ـ٢٧} . وقال تعالى آمرا رسوله صلى الله عليه وسلم: قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ {الأنعام: ٥٠} ، وقال تعالى: قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْر وما مسني السوء {الأعراف: ١٨٨} . وروى الإمام مسلم عن عائشة قالت: ومن زعم أنه صلى الله عليه وسلم يخبر بما يكون في غد فقد أعظم على الله الفرية، والله يقول: قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ. والله تعالى قد يختص من يشاء بما يشاء، ولكنه أخبر –ولا معقب لحكمه – أنه لا يطلع على الغيب إلا رسله، قال الله تعالى: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ {آل عمران: ١٧٩} . وقال تعالى: عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ {الجن: ٢٦ـ٢٧} .
واعلمي أن الوحي قد انقطع بوفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، فلم يعد هناك مجال لادعائه في كل زمان ومكان، فقد روى مسلم في صحيحه عن أنس رضي الله عنه قال: قال أبو بكر رضي الله عنه لعمر رضي الله عنه: انطلق بنا إلى أم أيمن نزورها كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزورها، فلما انتهيا إليها بكت، فقالا لها: ما يبكيك! ما عند الله خير لرسوله صلى الله عليه وسلم، فقالت: ما أبكي أن لا أكون أعلم أن ما عند الله خير لرسوله صلى الله عليه وسلم، ولكن أبكي أن الوحي قد انقطع من السماء، فهيجتهما على البكاء، فجعلا يبكيان معها.
وأما خبر توقيت موت الوالد فإن كان على سبيل الرؤيا المنامية فهذا ممكن، مع أن الرؤيا لا تفيد علماً لأنها قد تصدق وقد لا تصدق. وإما إن لم يكن على سبيل الرؤيا فهو تلبيس من الشياطين قالوه رجما منهم بالغيب ولم يأخذوه عن علم، فقد حجب الله عن عباده معرفة وقت الموت، وكذلك المكان الذي يموتون فيه والطريقة التي تفضي إليه، فلا يدري الإنسان متى يموت، لأن هذا من علم الغيب الذي لا يعلمه إلا الله. وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوما بارزا للناس؛ إذ أتاه رجل يمشي، فقال: يا رسول الله ما الإيمان؟ قال: الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته ورسله ولقائه وتؤمن بالبعث الآخر، قال: يا رسول الله ما الإسلام؟ قال: الإسلام أن تعبد الله ولا تشرك به شيئا وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة المفروضة وتصوم رمضان، قال: يا رسول الله ما الإحسان؟ قال: الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك، قال: يا رسول الله متى الساعة؟ قال: ما المسئول عنها بأعلم من السائل، ولكن سأحدثك عن أشراطها؛ إذا ولدت المرأة ربتها فذاك من أشراطها، وإذا كان الحفاة العراة رؤوس الناس فذاك من أشراطها، في خمس لا يعلمهن إلا الله: إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ...... ثم انصرف الرجل، فقال: ردوا علي، فأخذوا ليردوا فلم يروا شيئا، فقال: هذا جبريل جاء ليعلم الناس دينهم. قال ابن حجر في الفتح: قوله: في خمس أي علم وقت الساعة داخل في جملة خمس، وفي رواية عطاء الخرساني قال: فمتى الساعة؟ قال: هي في خمس من الغيب لا يعلمها إلا الله، قال القرطبي: لا مطمع لأحد في علم شيء من هذه الأمور الخمسة لهذا الحديث، وقد فسر النبي صلى الله عليه وسلم قول الله تعالى: وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو بهذه الخمس وهو في الصحيح، قال: فمن ادعى علم شيء منها غير مسندة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كان كاذبا في دعواه، قال: وأما ظن الغيب فقد يجوز من المنجم وغيره إذا كان عن أمر عادي وليس ذلك بعلم. وقد نقل ابن عبد البر الإجماع على تحريم أخذ الأجرة والجعل وإعطائها في ذلك. وجاء عن ابن مسعود قال: أوتي نبيكم صلى الله عليه وسلم علم كل شيء سوى هذه الخمس، وعن ابن عمر مرفوعا نحوه أخرجهما أحمد. اهـ.
وأما نزول سيدنا عيسى صلى الله عليه وسلم فهو من علامات الساعة التي لا يعلم وقتها إلا الله؛ كما تقدم في حديث الصحيحين. فالواجب على المسلم الاستعداد لها بتقوية الإيمان حتى يسلم العبد من فتنة الدجال ويكون من رفقاء المهدي وعيسى. وفي الصحيحين عن أنس أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الساعة، فقال: متى الساعة؟ قال: وما أعددت لها؟ قال: لا شيء، إلا أني أحب الله ورسوله، فقال: أنت مع من أحببت. قال أنس: فما فرحنا بشيء أشد فرحا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: أنت مع من أحببت.
وبناء على هذا، فإن هذه الإيحاءات التي تجدينها لا يظهر إلا أنها من الشياطين، فعليك بالاشتغال بنصوص الوحي التي ثبتت من نقل القراء لها بأسانيدهم المتواترة عن الصحابة الذين نقلوها عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد تناقلها المحدثون والمفسرون أيضا، فإن الاشتغال بالوحي الذي تواتر نقله عن الله أولى من الاشتغال بما لا يُعْلَم هل هو من إلهام الله لأوليائه أو من وحي الشياطين إلى أوليائهم؟ نسأل الله لنا ولكم الهداية للصراط المستقيم والسلامة من الزيغ.
والله أعلم.
تَارِيخُ الْفَتْوَى
١٣ ربيع الثاني ١٤٢٦