حكم بناء الأضرحة والمقامات على القبور
السُّؤَالُ
ـهل زيارة المقامات أو الأضرحة حلال أم حرام؟ مع التوضيح؟ـ
الفَتْوَى
الحمد لله وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه وبعد:
١- فههنا عدة أمور:
٢- أولا: بناء الأضرحة والمقامات على القبور لا يجوز شرعاً، وإنما المطلوب أن يدفن جميع الموتى في المقابر، وفق سنة النبي صلى الله عليه وسلم، لا أن يدفن البعض في المساجد، أو يبنى على قبورهم قباب، أو مساجد، كما يفعل في بعض الأماكن، بحجة أن هؤلاء أولياء صالحون ...... إلخ.
قال الإمام ابن القيم: " ولم يكن من هديه صلى الله عليه وسلم تعلية القبور ولا بناؤها بآجر، ولا بحجر ولبن، ولا تشييدها، ولا تطيينها، ولا بناء القباب عليها، فكل هذا بدعة مكروهة، مخالفة لهديه صلى الله عليه وسلم. وقد بعث علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى اليمن، ألا يدع تمثالاً إلا طمسه، ولا قبراً مشرفاً إلا سواه" رواه مسلم.
فسنته صلى الله عليه وسلم تسوية هذه القبور المشرفة كلها، " ونهى أن أن يجصص القبر، وأن يبنى عليه، وأن يكتب عليه " وكانت قبور أصحابه لا مشرفة ولا لاطئة، وهكذا كان قبره الكريم وقبر صاحبيه، فقبره صلى الله عليه وسلم مسنم مبطوح ببطحاء العرصة الحمراء لا مبني ولا مطين، وهكذا كان قبر صاحبيه، وكان يعلم قبر من يريد تعريف قبره بصخرة، ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ القبور مساجد، وإيقاد السرج عليها، واشتد نهيه في ذلك حتى لعن فاعليه، ونهى عن الصلاة إلى القبور، ونهى أمته أن يتخذوا قبره عيداً، ولعن زوارات القبور. وكان هديه أن لا تهان القبور وتوطأ، وأن لا يجلس عليها، ويتكأ عليها، ولا تعظم بحيث تتخذ مساجد فيصلى عندها وإليها، وتتخذ أعيادا وأوثانا) اهـ. زاد المعاد لـ: ابن القيم (١/٥٢٤) ثم بين الإمام ابن القيم الحكم في المساجد التي تبنى على القبور فقال: (وعلى هذا فيهدم المسجد إذا بني على قبر، كما ينبش الميت إذا دفن في المسجد. نص على ذلك الإمام أحمد وغيره، فلا يجتمع في دين الإسلام مسجد وقبر، بل أيهما طرأ على الآخر منع منه، وكان الحكم للسابق، فلو وضعا معاً لم يجز، ولا يصح هذا الوقف ولا يجوز، ولا تصح الصلاة في هذا المسجد لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، ولعنه من اتخذ القبر مسجداً، أو أوقد عليه سراجاً. فهذا دين الإسلام الذي بعث الله به رسوله ونبيه، وغربته بين الناس كما ترى) (زاد المعاد ٣/٥٧٢) فهذا الذي قال الإمام ابن القيم رحمه الله ملخص مفيد في الموضوع لمن تدبره وتأمله نكتفي به.
ثانيا: هدي النبي صلى الله عليه وسلم في زيارة القبور أكمل الهدي وأحسنه، ويحسن أن نذكره باختصار. قال الإمام ابن القيم (كان -صلى الله عليه وسلم -إذا زار قبور أصحابه يزورها للدعاء لهم، والترحم عليهم، والاستغفار لهم، وهذه هي الزيارة التي سنها لأمته، وشرعها لهم، وأمرهم أن يقولوا إذا زاروها: " السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية. " (رواه مسلم) ثم أنكر الإمام أبن القيم رحمه الله على الذين يزورون القبور ويسألون الأموات الحوائج، أو يتوسلون بهم في قضائها، أو يدعون الله عند قبورهم، فقال: (وكان هديه صلى الله عليه وسلم أن يقول ويفعل عند زيارتها، من جنس ما يقوله عند الصلاة على الميت، من الدعاء والترحم، والاستغفار.
فأبى المشركون إلا دعاء الميت والإشراك به، والإقسام على الله به، وسؤاله الحوائج والاستعانة به، والتوجه إليه، بعكس هديه صلى الله عليه وسلم، فإنه هدي توحيد وإحسان إلى الميت، وهدي هؤلاء شرك وإساءة إلى نفوسهم، وإلى الميت، وهم ثلاثة أقسام: إما أن يدعو الميت، أو يدعو به، أو عنده، ويرون الدعاء عنده أوجب وأولى من الدعاء في المساجد، ومن تأمل هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، تبين له الفرق بين الأمرين وبالله التوفيق.) زاد المعاد: ١/٥٢٦
ثالثاً: وبناء على ما تقدم نقول للسائل الكريم: ما الهدف من زيارة المقامات أو الأضرحة؟ هل هو الدعاء لهم كما ذكرنا من هدي النبي صلى الله عليه وسلم في زيارة القبور؟ أم فعل شيء مما ذكره الإمام ابن القيم آنفاً؟
فإن كان الهدف دعاء الأموات والاستعانة بهم ......إلخ، فهذه الزيارة محرمة ولا تجوز، لأنها ستفضي إلى الوقوع في الشرك والوثنية، أو إلى البدعة والضلالة، وإن كان الغرض من الزيارة مجرد السلام عليهم، والدعاء لهم، كما ورد في السنة فينظر في الأمر لأن الزائر لهذه الأماكن لا يسلم غالباً من الأذى، فربما رأى بعض الناس يتوسلون بهذه القبور، أو يدعون أصحابها من دون الله ... إلخ، فالواجب عليه حينئذ الإنكار عليهم، ولو أنكر عليهم ربما ضربوه، وربما أهانوه ومن هنا فلا يجوز زيارة هذه الأماكن لما يترتب على ذلك من المفسدة، ولو سكت الزائر وقع في الإثم، وتعرض لعقوبة الله سبحانه وتعالى حيث قال: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً) (النساء:١٤٠)
فإن عجز المرء عن إنكار المنكر بيده، أنكر بلسانه، فإن لم ينكر بلسانه فلينكر بقلبه، مع مفارقة المكان بدليل هذه الآية، وقد رفع إلى عمر بن عبد العزيز رحمه الله قوم يشربون الخمر، فأمر بضربهم، فقيل له: إن فيهم فلاناً صائماً، فقال: ابدؤوا به، ثم قال: أما سمعت قوله تعالى: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً) (النساء:١٤٠)
والخلاصة أنه لا يجوز زيارة الأضرحة والمقامات، لأنها أماكن يعصى الله فيها غالباً، ولما يترتب على زيارتها من مفاسد تعود على الزائر تفوق المصلحة المرجوة من سنية زيارة الأموات، ولا يخفى أنه يجوز إلقاء السلام على الأموات المقبورين في الأضرحة أو غيرها حال المرور بطريقها. لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: أرأيت يا رسول الله إن مررت بالقبور ماذا أقول؟ فقال:" قولي السلام عليكم دار قوم مؤمنين. "الحديث رواه مسلم
والله أعلم.
تَارِيخُ الْفَتْوَى
٠٣ جمادي الثانية ١٤٢٢