المجوسية ديانة وثنية ثنوية
السُّؤَالُ
ـهل يمكن إعطاء فكرة عن المجوسية؟
وشكراـ
الفَتْوَى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالمجوس كلمة فارسية تطلق على أتباع الديانة المجوسية، والديانة المجوسية ديانة وثنية ثنوية تقول بإلهين اثنين، أحدهما إله للخير والآخر إله للشر، وبينهما صراع دائم إلى قيام الساعة، التي تقوم حسب زعمهم الفاسد نتيجة لانتصار إله الخير على إله الشر.
وقد اختلف العلماء في سبب تسميتها إلى أقوال عديدة، منها أنها نسبة إلى رجل اسمه مجوس، أو أنه وصف لرجل انتسبت إليه المجوسية، أو أنها نسبة لقبيلة من قبائل الفرس، أو أنها وصف لعبادة النار، ويذهب بعض الباحثين إلى أن المجوسية هي الزرادشتية، والحق أن المجوسية أسبق من الزرادشتية، وأن زرادشت حددها وأظهرها وزاد فيها في القرن الثالث الميلادي، ويذهب ابن خلدون إلى أن المجوسية هي الكيرمرثية نسبة إلى كيرمرث أحد أبناء آدم عليه السلام، وقيل إنه آدم عليه الصلاة والسلام، وقيل إنه أحد أبناء نوح عليه الصلاة والسلام، وقيل غير ذلك.
كما اختلف أهل العلم في المجوس هل هم أهل كتاب ولهم رسول ولكنهم بدلوا وحرفوا أم لا؟ وذلك على قولين: ذهب الجمهور إلى أنهم ليسوا بأهل كتاب، كما ذكر ابن القيم وابن قدامة والقرطبي، وهو ما عليه أغلب السلف، وإنما يعاملون معاملاتهم في ما يتعلق بالجزية فقط.
ويقول الدكتور ناصر عبد الكريم العقل: ومن المرجحات في كون المجوس ليسوا بأهل كتاب قول الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (الحج:١٧)
وفي الآية الأخرى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (البقرة:٦٢) وكذلك في سورة المائدة: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (المائدة:٦٩)
فهذا دليل على أنهم ليسوا أهل كتاب، لأنه تعالى حين ذكر الذين يجزون على إيمانهم وعملهم الصالح من هذه الأمم لم يذكر المجوس منهم.
وحينما ذكر أنه يفصل بينهم قرن المجوس والمشركين ... لأنه تعالى عد الديانات ثم جاء بعدها المجوس والذين أشركوا، فلذلك فالأولى والأقرب أنهم -أي المجوس- يلحقون بالمشركين لا بالأمم الكتابية.
والقول الثاني: قال به بعض أهل العلم من أنهم أهل كتاب لكنهم بدلوا وحرفوا، واستدلوا بما ورد في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: سنوا بهم سنة أهل الكتاب.، كما استدلوا بأخذ عمر بن الخطاب وعلي ابن أبي طالب رضي الله عنهما الجزية منهم، واستدلوا بغير ذلك من الأدلة التي رد عليها الجمهور.
ويذكر الشهرستاني في الملل والنحل أنهم أصحاب شبهة كتاب، كما يذكر أن مسائل المجوس كلها تدور على قاعدتين اثنتين: بيان امتزاج النور بالظلمة.
الثانية: بيان سحب خلاص النور من الظلمة وجعلوا الامتزاج مبدأ والخلاص معاداً.
ومن الديانات الهندية انتقل إلى المجوس القول بتناسخ الأرواح، والذي أصبح من لوازمه عندهم الاعتقاد في عدم انقطاع النبوة والرسالة.
ونتيجة لقرب بعض القبائل العربية من الدولة الساسانية الفارسية المجوسية، والتي ظلت قائمة في بلاد فارس حتى الفتح الإسلامي، أو نتيجة للاحتكاك المباشر من بعض هذه القبائل بالدولة الساسانية، فقد تعرفت على المجوسية وتأثرت بها، وبخاصة ما كان منها في البحرين واليمن وعمان، كما ظلت المجوسية منتشرة وبيوت النار قائمة في كرمان وسجستان وخراسان وجبال أذربيجان وأرمينية حتى الخلافة العباسية، مما كان له أثره البالغ في ظهور الحركات الباطنية وانطلاقها من هذه المناطق بالذات، حيث اعتنق عدد من موالي الفرس الإسلام متسترين برداء التشيع وحب آل البيت، رغبة منهم في الكيد للإسلام، يقول فون كريمر: ومع أن كثيرين منهم كانوا يتظاهرون بالإسلام إلا أنهم كانوا في قرارة نفوسهم مخلصين لمعتقداتهم الدينية القديمة، وقبلوا الإسلام ظاهرياً فقط مع تعلقهم بدين آبائهم.
وبتعدد مذاهب المجوس (الزرادشتية والمانوية والمزدكية) تعددت آثارهم السيئة على الأمة الإسلامية وسيرتها الحضارية فقد تشبعت السبئية بأفكارهم، وحاولت الخرمية البابكية تجديدها كما ظهرت في آراء كافة الحركات الباطنية حتى البابية والبهائية منها.
ويلخص الدكتور يحيى هاشم في كتاب "عوامل وأهداف نشأة علم الكلام" الآثار السيئة للمجوس بقوله: كان تأثير المجوسية في غلاة الشيعة، بصفة خاصة في عقائد الرجعة والتناسخ، والتنبؤ بالمستقبل وادعاء النبوة، وادعاء الألوهية -ما يعرف بعقيدة التجسد أو الحلول الإلهي في الجسد الإنساني كما عند الدروز، وقديماً عند السبئية. ا. هـ ص:١٩٣ من الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة، وراجع الفتوى رقم: ٣٧٢٠٤ والفتوى رقم: ٣٤٨٣٠ والفتوى رقم:
٢١٨٤٨
والله أعلم.
تَارِيخُ الْفَتْوَى
١٨ شعبان ١٤٢٤