التصوف بين المتقدمين والمتأخرين
السُّؤَالُ
ـما صحة القول التالي؟ ولكم الشكر سلفا: التصوف فرض عين، لأنه: طلب الكمال، وما من مخلوق إلا وفيه نقص يجب استكماله، وبالتالي كان كل علم يمكن الاستغناء عنه إلا التصوف، لأن موضوعه: الذات والروح، وعلاقة الوجود بالموجود، وارتباط الغيب بالشهادة، والملك بالملكوت، وكل علم بعد ذلك فهو نافلة، التصوف فناء صفة العبد ببقاء صفة المعبود: التصوف: أمر من الله في قوله تعالى: وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ ـ آل عمران: من الآية٧٩ـ.ـ
الفَتْوَى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمصطلح التصوف قد يريد به البعض عند إطلاقه ما دعا إليه الشرع من الإعراض عن الدنيا والزهد فيها والاهتمام بتزكية النفس والاجتهاد في العبادة، وهذا معنى صحيح بلا ريب، وعليه كان متقدمو الصوفية الأوائل، ثم لم تزل البدع تنتشرُ في أوساط الصوفية بسبب قلة العلم والإعراض عنه، حتى صار غالب منهج التصوف مخالفا للكتاب والسنة وما كان عليه سلف الأمة.
وهذا هو حال التصوف في واقعنا المعاصرالآن، وانظر لمزيد الفائدة الفتاوى التالية أرقامها: ٧٢٣٠، ٥٣٥٢٣، ١١٤٠٣٧.
وبما أن التصوف الآن قد أصبح لا يطلق إلا على ذلك المنهج المتكدر بالبدع والمخالفات الشرعية، فلا يصح إذن القول بمشروعيته، فضلا عن القول بفرضيته على الأعيان.
وحتى إذا اعتبرنا التصوف بمعناه الأولي عند المتقدمين، من طلب الكمال في الإيمان، فلا يصح إطلاق القول بفرضيته، إذ إن الإيمان منه واجب ومنه مستحب، فالواجب منه ما يحمل المؤمن على ترك المعاصي وفعل الواجبات، أما ما وراء ذلك فليس فرضا، لكنه محبوب مطلوب مرغب فيه، وراجع الفتويين رقم: ١٤١٥٥، ورقم: ١٢٠٩٨٢.
وأما القول بأن كل علم بعد هذا نافلة فهو خطأ جسيم، فإن المؤمن كما يطالب بتزكية نفسه وتطهيرها، يطالب أيضا بموافقة أعمال جوارحه للشريعة، ولا يتأتى هذا إلا بمعرفة بعض العلوم الدينية الأخرى، وانظر بيان العلم المفروض تعلمه في الفتوى رقم: ٧١٧٢٧.
وأما القول بأن التصوف أمر من الله، فلا يصح إذا اعتبرنا التصوف بمفهومه المعاصر، والآية المذكورة في السؤال بريئة مما في ذلك المنهج الصوفي من بدع وشطحات ومخالفات شرعية.
فالرباني هو: العالم العامل المعلم المتمسك بدين الله وطاعته، البصير في سياسة الناس، فهو الذي يصلح نفسه بالعلم الإلهي والعمل الموافق لشرعه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ويسعي في إصلاح غيره ومواصلة جهاد نفسه في تحقيق ذلك حتى يربيها على الإيمان ويزكيها ويهذبها من الشهوات والشبهات.
وانظر لمزيد الفائدة الفتاوى التالية أرقامها: ١٨٨٥٩، ٥٣٣٧٧، ٧٠٠٨٨.
والله أعلم.
تَارِيخُ الْفَتْوَى
٢٨ رجب ١٤٣٠